عندما كنت أتعرض للتنمر والابتزاز في صغري كنت أذهب لحضن أمي باكية شاكية لها ما قاله لي أولاد وبنات الحي الذي كنت أسكنه آنذاك. لم أكن حينها على علم ودراية بأن هذا الفعل ينطوي تحت مظلة «التنمر» إلا مؤخراً، فلقد كان الاستفزاز و»المطنزة»، شيئاً قد يعتبره البعض عادياً أثناء اللعب في ذاك الوقت. وكانت هناك العديد من الألقاب التي تطلق على الأفراد، وأذكر بأنني فردت مقالاً كاملاً حول ألقاب أبناء الحي الذي كنت أسكنه وكيف أصبحت هذه الألقاب «علوقة»- أي أسماء ملتصقة بهم إلى يومنا هذا-.

أمسكتني أمي مرة وأنا أبكي من تنمر أحدهم علي، وقالت لي باحتواء تغلفه القسوة «أبنيتي، لا تسمحي لأحد بأن يقلل من شأنك بهذا التصرف، كوني قوية، صلبة، فالمتنمر أو المستفز يفتش عن فريسة ضعيفة، لينهال عليها ويدمرها نفسياً، فلا تكوني أنت هذه الفريسة الضعيفة. أوقفيهم عند حدهم بالرفض لما قالوه وحسب، ولا تعطي الموضوع أكبر من حجمه فيشعر المتنمر أو المستفز بقوته وتأثيره عليكِ، وتذكري دائماً بأن «الحقران» علاج فعال لهؤلاء فهم لا يستطيعون إلا الاستقواء بالحديث والثرثرة، وتذكري بأن الجميع يستطيع أن «يقول» ولكن القليل من يثبت.. فليقولوا ما يشاؤون. أبنيتي: ارسمي على وجهك ابتسامة نصر لا تغيب، وامضي في طريق النجاح، ولا تلتفتي إلى حماقات هؤلاء».

أذكر بأن لكلماتها أطال الله في عمرها آنذاك وقع مؤلم كألم الكلمة التي سمعتها مع هذا المستفز المتنمر، حيث كنت أتمنى منها أن تحتضنني وتمسكني من يدي وتذهب إلى هذا الشخص وتلقنه درساً في الأدب وحسن التعامل. ولكنها قالت لي هذا الكلام وذهبت لتكمل عملها في تحضير الغداء.

التفتت علي مرة أخرى وقالت: ألن تخرجي لمواصلة اللعب مع أبناء الحي؟ أذهبي وامرحي، لكيلا يظن أحدهم بأنك متأثرة مما قيل..

وبالفعل، مسحت دموعي التي منعتها أمي من النزول بنظرتها الحادة، وخرجت مسرعة للانضمام إلى اللعب من جديد، فعاد إلي نفس الشخص المستفز والمتنمر، وأعاد إطلاق نفس الكلام علي مرة أخرى، فالتفت إليه بهدوء، وابتسامة النصر التي علمتني أمي عليها واعتدتها حتى أصبحت جزءاً من شكلي، ونظرت إليه بنظرة تملؤها الثقة وقلت له في هدوء «قل ما شئت لا يهمني». حاول أن يكرر الكلمة مرة ومرتان وثلاث، ولكن دون جدوى فلم ألتفت عليه لأعيره أي اهتمام. فذهب وعاد مجدداً وبدأ يصيح بنفس الكلمة ويكررها بطرق متعددة، وأنا على نفس الحال ثابتة، صلبة، لا أتأثر مطلقاً من الكلمة، حتى ثار وأمسكني من كتفي وقال لي «ألا تشعرين، أأنتِ متلبدة المشاعر» فابتسمت وأنا أنفض يده عن كتفي وقلت له «أظنني كذلك».

ومنذ تلك اللحظة وأنا أتعامل في حياتي بهذا المنهج، وأواجه أي شخص يحاول استفزازي بذات الطريقة.

* رأيي المتواضع:

أرسل لي أحدهم رابط برنامج «ما خفي أعظم»، معلقاً: ما رأي حضرتكِ فيما دار في البرنامج؟ فأرسلت له رابطاً لتقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق معلقة: نحن لا نعيد الحديث عن موضوع أغلقناه رسمياً. أتمنى لك قراءة ممتعة.. انتهى.