لطالما تحدثنا عمّا بات يحدثه الذكاء الاصطناعي من قفزة نوعية أسهمت في خلق تطور وتغير شامل في كثير من جوانب حياتنا، أو يكاد، غير أن أغلب ما كنا نتناوله قد ارتبط على نحو مباشر بالأبعاد التقنية والأجهزة التي من شأنها أن تقدم تسهيلات أو توفر جهوداً بشرية معينة. وكذلك في المجال الطبي، إذ أسهم الذكاء الاصطناعي من خلال عدد من الأجهزة الذكية في التعرف على أنواع معينة من الأمراض أو الأعراض على نحو أدق من التشخيص البشري الذي مارسه الأطباء منذ عصور طويلة. لكننا اليوم، لسنا أمام جهاز اعتيادي يؤدي خدماته التشخيصية في المجال الطبي، ولا حتى العلاجية كالتي تستخدم في العمليات الجراحية، ولا جهاز روبوتي يمارس أدواراً هامشية في مجاله. بل ذكاء أسهم في صناعة العقاقير الطبية المتناسبة مع المناعة البشرية أو تلك التي تستجيب لها.

إن برنامج «SAM» لم يصمم عقاقير باستخدام أجهزة حاسب كما حدث من قبل، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال إنتاج عقار على نحو مستقل، واعتمد في ذلك اعتماداً كلياً على خوارزميات الذكاء الاصطناعي. لقد حظي «SAM» بفرصة التعليم من خلال الفريق الذي قاد عملية تطويره، إذ علّموه على «مجموعة من المركبات المعروفة التي تتفاعل مع نظام المناعة البشري، ومجموعة من المركبات التي لا تعمل».

لقد توصل برنامج «SAM» إلى أدوية مناعية بشرية أفضل من تلك المتاحة حالياً. اللافت في الأمر أن البرنامج قد وفر تكاليف كثير من التجارب التي كان من المحتمل إجراؤها للتوصل لعقار مناسب للانفلونزا، وكذلك وفّر مئات المليارات من الدورلات في الإنتاج لهذا العقار.

إن الاختراع الذي توصل له الذكاء الاصطناعي حظي باهتمام حقيقي وجاد من قبل الجهات المعنية والقائمة على هذه الأبحاث، وقد حصل في هذا السياق على تمويل المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية الذي يعد جزءاً من المعاهد الوطنية للصحة «NIH». ومما يكشف جدية التعاطي مع هذا الاختراع أن التجارب السريرية على هذا العقار قد بدأت في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة عام كامل «12 شهراً».

* اختلاج النبض:

في كل مرحلة زمنية، تظهر أنواع معينة من الأمراض تعد بمثابة معضلة العصر، ويتصدر المشهد نوع أو أكثر من الأمراض المميتة، فقبل عقود كان الطاعون مثلاً، وفي الوقت الراهن تصدرت الأمراض السرطانية القائمة. غير أن التعويل على الذكاء الاصطناعي في ابتكار عقارات مناسبة لمكافحة تلك الأمراض أو السيطرة عليها وعلاجها بات ممكناً الآن.