عندما كنا طلبة في المدارس والجامعات كنا نتندر بحاجتنا لشريحة ذكية نخزن عليها المعلومات ثم نحشرها في أدمغتنا، لعل هذا ما كنا نحتاجه أيضاً لمرضانا المصابين بالزهايمر في مراحل متأخرة من حياتهم. غير أن هذه النوادر التي كنا نتبادلها قد تحولت لواقع ملموس على نحو ذكي جداً وواقعي.

في أستراليا، حيث تجد الكوالا وشجرة الكينا، تمكن علماء جامعة RMIT من «تطوير رقاقة إلكترونية تعمل بالضوء» قادرة على حفظ الذاكرة أو إلغائها وخلق الذكريات وتعديلها. جاءت فكرة هذه الرقاقة من علوم البصريات الوراثية، إذ تتيح علوم البصريات الوراثية فرصة فهم المنظومة الكهربائية لجسم الإنسان بدقة بالغة، إلى جانب ما توفره من فرص التحكم بالخلايا العصبية وذلك من خلال استخدامها للضوء.

يعني هذا كله أن العلماء أصبحوا أكثر قرباً من فهم الوظائف الكاملة للعقل البشري وتحويلها إلى منظومة من الذكاء الاصطناعي الذي سيجري استثماره في كثير من المجالات؛ منها الطبية لمعالجة المشكلات التي يتعرض لها العقل البشري كالخرف وأمراض أخرى، ومنها ما سيوظف هذا الذكاء في مجالات البحث العلمي والتحليل المنطقي ربما من خلال فقط الكشف عن المعطيات في البيئة المحيطة بهذه الرقاقة الاصطناعية الذكية كما يفعل العقل البشري تماماً. وهو ما يعني أننا أمام ابتكار مخ بشري متكامل العناصر يأتي على هيئة رقاقة ذكية صغيرة تتعلم من البيئة المحيطة وربما تدرك كما يفعل البشر. غير أن هناك ثمة احتمالات أن التوصل لهذا المستوى من الدقة في وقت لاحق، قد يفضي إلى تطور أخطر وأعجب وهو أن تتفوق تلك الرقاقة الصغيرة على العقل البشري في ما يمكنه تقديمه من عمليات معالجة للبيانات، أو في حساسيتها المفرطة للضوء والتي قد تنقل معلومات أدق بكثير مما يفعله العقل البشري.

اختلاج النبض:

لا شك أن التوصل لطريقة عمل العقل البشري وابتكار تقنية تشبهه أمر مثير للدهشة، إذ لطالما اعترى هذا الأمر غموضاً لذيذاً كان دافع العلماء للاكتشاف والابتكار. ولا شك أيضاً أن نقلة نوعية مرتقبة قد يحدثها تفعيل تلك الرقاقة في مجالات مختلفة، طبياً وربما حتى في حياتنا الاجتماعية. ما نخشاه في يوم ما، أن تتحول هذه الرقاقة إلى مجال الجاسوسية، وأن تحشر في كل الأمكنة التي قد نرتادها فتبدو كالمرافق الدائم لك أو كالجاسوس على مرتادي أماكن محددة، ويقوم بما يفعله الجواسيس من البشر وربما أكثر. ثمة آفاق مبشرة في اكتشافات واختراعات الذكاء الاصطناعي، غير أن تبعات أخرى أيضاً قد تكون مثاراً لكثير من المشكلات أو المخاوف. الأمر الذي يسترعي الاهتمام فيه بخطٍ موازٍ لعمليات الابتكار تلك.