وقع وزيرا الخارجية البحريني والسعودي مذكرة تفاهم على تأسيس المجلس التنسيقي السعودي البحريني حفلت وسائل الإعلام بحشد من الآراء المشجعة والمؤيدة والتي ركزت على ضرورة هذا الخطوة في المرحلة الراهنة التي تحتاج لمزيد من التقارب والتكامل بين البلدين.

إنما ما يهمني أن أتكلم عنه و يتكلم عنه من نستعرض آراءهم في هذه الخطوة أن نطرح أسئلة أكثر عمقاً من الكلام العمومي الذي يعرفه أصغر طفل بحريني وسعودي عن عمق العلاقة التاريخية وعن الخير الذي سيعود على البحريني والسعودي وووو... الكلام الذي نكرره للاستهلاك الإعلامي فحسب.

أتمنى أن يكون تركيزنا في حواراتنا حول هذا المجلس على ما يهمني أن أعرفه كمواطنة بحرينية عن طبيعة تلك المجالس وما الذي ستقدمه أكثر مما قدمه مجلس التعاون الخليجي لجميع المحاور التي قيل إنها ستعمل عليها تلك المجالس كالأمن والغذاء والخدمات ؟

وهل هي بديل عن مجلس التعاون؟ وهل يعني قيام مثل هذه المجالس خطوة اتحادية ثلاثية ؟

وهل إن كان هذا هو الحال فإن هذا المجلس سيضر بمجلس التعاون الخليجي؟

وعلى صعيد الداخل البحريني ما المطلوب منا كدولة لها سياسة ورؤية وبعد استراتيجي؟ وما المطلوب منا كمواطنين من أجل إنجاح هذه الخطوة وتعزيزها؟

للعلم أسست المملكة العربية السعودية مجلساً تنسيقياً سعودياً مصرياً عام 2015 وأسست مجلساً تنسيقياً سعودياً إماراتياً عام 2016 وأسست مجلساً تنسيقياً سعودياً عراقياً عام 2017 وأسست مجلساً تنسيقياً سعودياً كويتياً عام 2018 وجاء المجلس السعودي البحريني آخرهم الأسبوع الماضي مما يدل على أن هناك رؤية سعودية لنقل درجة التكامل والتعاون العربي السعودي العربي إلى مرحلة تنفيذية عملية بشكل أكبر، وأن تلك المجالس لا تلحق ضرراً بمجلس التعاون الخليجي أو تهمشه ولا بالجامعة العربية ولا تهمشها بل تعزز الاثنين وتقويهما،ولا تستهدف مجلس التعاون الخليجي كما روج من يسوؤه أن نرقى في درجات التعاون والتكامل والوحدة وما أكثرهم!

ما يهمنا كبحرينيين لإنجاح هذا المجلس السعودي البحريني هو الدرجة التي سنجتهد بها كبحرين و مستوى الجدية في التعاطي مع الرؤية السعودية فذلك مرهون بقدر جدية الطرفين وبقدر استعدادهما للانخراط في تلك الأهداف المشتركة وألا نكون قد أضفنا كياناً هشاً جديداً يضاف لعشرات بل مئات غيره من لجان الصداقة ومن لجان المحبة ولجان لها مسميات عديدة ونتائجها لا تذكر وما أنزل الله بها من سلطان.

أقرب مثال لنا للجدية المطلوبة هو النموذج السعودي الإماراتي حيث اعتمدت دولة الإمارات على الفور اللجنة التنفيذية للمجلس برئاسة معالي محمد بن عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل رئيس اللجنة التنفيذية من الجانب الإماراتي، واعتمدت السعودية محمد التويجري، وزير الاقتصاد والتخطيط رئيس اللجنة التنفيذية من الجانب السعودي، وعقدت اللجنة اجتماعين هذا العام نحن نتحدث إذاً عن مستوى تنسيقي رفيع صاحب قرار أن عاد الأمر للتنفيذ، وعن كثافة اجتماعات وعن وضوح في الرؤية خاصة وأنها لا تنطلق من الصفر.

أطلقت على الفور هذه اللجنة التنفيذية حزمة من المبادرات الاستراتيجية المشتركة، والتي تجسد استمرار التكامل الثنائي في العديد من المجالات كالخدمات والأسواق المالية، والسياحة، والطيران، وريادة الأعمال، والجمارك وغيرها، وخلال هذا العمل تأسست فرق عمل مشتركة ولم تترك كما قلنا لتتباعد المراقبة عليها بل اجتمعت اللجنة التنفيذية مرتين خلال هذا العام كي تقر وتتابع سير العمل

مؤشر الجدية أن اللجان التكاملية لهذا المجلس جميعها برئاسة وزراء فاللجنة المالية برئاسة وزيري المالية في الدولتين وكذلك لجنة الطاقة والصناعة وكذلك الإسكان وكذلك السياحة وكذلك لجنتا الأمن والعسكرية وحتى اللجنة الثقافية رغم أننا لا نملك وزيراً للثقافة كعضو في مجلس الوزراء!! إنما تعيين الوزراء في الدولتين لتنسيق التنفيذ مؤشر يدل على قدر الجدية المطلوب، فلا توصيات تأخذ وقتاً للإقرار وللرجوع لصاحب القرار واجتماع واحد في العام ينتظر قرارات مكدسة لإقرارها.

المؤشر الآخر هو درجة الشفافية في العمل وإشراك المواطنين في جميع خطوات اللجان التنفيذية، وبالإمكان متابعة التفاصيل الدقيقة التي نشرت حول الاجتماعين اللذين عقدتهما اللجنة التنفيذية للمجلس الإماراتي السعودي كنموذج تحتاج البحرين أن تكون مثله أو تتفوق عليه، وهذا في صالح الجميع.

أخيراً حقق لنا مجلس التعاون الكثير من المكتسبات لا ننكر ذلك ولكن كانت نزعات السيادة التي تذرعت بها بعض الدول الخليجية سبباً في تأخير الكثير مما كان ممكن أن يتحقق، ولو تمكنت هذه المجالس التنسيقية من تجاوز تلك النزعات لأمكن لهذا الثلاثي (السعودية والبحرين والإمارات) أن ينتقل إلى مرحلة تكامل نطمح لها من سنين دعواتكم وجديتكم نرجوها لما فيه خير وصلاح لنا جميعاً.