صحيح أننا نعيش حياة مليئة بالرفاهية والراحة، وتنوع الخدمات اليومية من وسائل المواصلات وتنوع في وسائل الاتصال وسرعة التواصل مع الآخرين من خلال أجهزة ذكية، وصلنا إلى طفرة إنجاز الأعمال عن بعد مثل المعاملات البنكية والمعاملات الخدمية التي أصبحت أكثر مرونة وسرعة، كل ما على المستخدم فعله هو إنزال تطبيقات خاصة للهاتف الذكي فقط يستطيع بعدها أن ينهي معاملته في دقائق، وغيرها كثير من الأمور التي أصبحت اليوم متداولة بسهولة نظراً إلى العصر الذي نعيش فيه والرتم الذي يتطلب منا السرعة في كل صغيرة وكبيرة في اليوم الواحد، فحياتنا أصبحت محسوبة بدقة تامة ولا مجال للتقاعس، فهناك ماديات متوفرة لدينا تجبرنا على أن نتماشى مع العصر براحة من أجل أن نؤدي كافة الأعمال بكل سهولة ويسر، وبرغم متعة الإنجاز السريع فقدنا بريق التواصل مع الأشياء ومتعتها وارتباطنا بها والإحساس بها، من هذه الأشياء التي مرت بذهني أمور مرتبطة باستقبال العيد والاستعداد له منها:

* المعايدة: في السابق كانت الناس تتعنى شخصياً بالحضور لمعايدة الأهل والأصدقاء والجيران، فكان البعض - الذين لا يمتلكون سيارة - يقطعون مسافات طويلة مشياً حتى يصلون إلى بيت فلان لمعايدته أو يستخدمون النقل العام لزيارته، فكان التواصل عبارة عن مشاهدة ومصافحة وسماع، حتى جاء وقت استبدل البعض الحضور الشخصي والاكتفاء برفع سماعة التليفون ومعايدته بسماع صوته فقط، وجاء وقتنا الحاضر اكتفى الكثيرون بمعايدة الأهل والأصدقاء بإرسال رسائل نصية فاستغنى البعض عن الحضور وعن سماع صوته وعوضه برسالة تهنئة مكررة يبعثها للجميع، فماتت المشاعر الجميلة عند اللقاء واللهفة عند سماع الصوت.

* الأضحية: أضحية العيد كانت لها طقوس جميلة تغرس في نفوس الكبير والصغير أهمية الأضاحي في عيد الأضحى المبارك، كان رب الأسرة يشتري الأضحية ويأتي بها إلى منزله يعتني بها الصغير ويطعمها ويسقيها حتى يأتي يوم العيد يقوم الأب أو الجزار أو القصاب بذبح الأضحية في حوش المنزل، وكانت ربة الأسرة تقوم بتوزيع الأضحية كما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتباشر بعدها ربة الأسرة بطهو غداء العيد من هذه الأضحية، اليوم يكتفي معظم الناس بدفع ثمن الأضحية إلى إحدى الجمعيات الخيرية لتكون أضحيته خارج البلاد، كثيرون يفتقدون المتعة في شراء الأضحية وتوزيعها.

* قدوع وغداء العيد: لله الحمد والمنة على الخير، اليوم الناس ما عادت «تحاتي» قدوع وغداء العيد فالمطاعم ومحلات الحلويات منتشرة وبأسعار متفاوتة فهناك الغالي والرخيص وهناك الجديد والشعبي حتى غوزي العيد فهناك المتطور وهناك من يحتفظ بطعم الأصالة، في السابق كانت ربة المنزل وبناتها يخبزن الحلويات ويقمن بتحضيرات غداء العيد، فبرغم التعب والعناء إلا أنه ينسى في لحظات عندما يمدح الضيف طبق الحلويات ويثني على تنوع القدوع، ولا تزال بعض العوائل تحرص على خبز بعض الحلويات وإضافة بعض المأكولات الجاهزة في القدوع، والبعض يكتفي بشرائه من المحلات، حتى غداء العيد فالمطاعم كثيرة تلبي جميع الاحتياجات من لحوم ودواجن، فالبعض اشترى راحته وركن العادات والتقاليد في استقبال العيد.

لكل زمان حلاوته وله مقامه، نفتقد الماضي لأننا نفتقد البساطة في كل شيء ونفتقد أناساً كنا نفرح معهم منهم من توارى تحت التراب، مفارقات بين الماضي والحاضر تهيض الوجدان نبحث من خلالها عن المفقود، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.