نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن مصادر القوة في الحضارتين المصرية والصينية ودور مراكز الدراسات والبحوث.

* الملاحظة الثانية: إنني أتوجه لمختلف قادة دول العالم بأن يدركوا قيمة الحضارة المصرية العظيمة وتاريخ مصر المجيد وعناصر قوتها التي دفعت نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أن يشيد بجيش مصر حيث وصفه بأن جنوده من خير أجناد الأرض، كما أن شعب مصر المضياف هو الذي استقبل السيد المسيح ومريم العذراء عليهما السلام، هرباً من ظلم الرومان في أرض فلسطين.

* الملاحظة الثالثة: إن مصر هي مصدر العلوم قبل الحضارات اليونانية والرومانية ولا ينبغي أن ننسى أن أرسطو عاش بالإسكندرية وأفلاطون وفيثاغورس وغيرهم، وإن مكتبة الإسكندرية القديمة كانت مركز العلم والمعرفة ولقد شيدت مصر حضارتها على أساس العلوم والمعارف المتعددة التي طورتها، وبناء الأهرام وأسلوب بنائها وعلم التحنيط وعلوم الفلك في عهد مصر الفرعونية خير شاهد على التقدم العلمي في مصر الفرعونية، ولم تكتشف كل أسرارها حتى يومنا هذا.

وباختصار إن مصر العظيمة شيدت حضارتها العريقة على قاعدتين راسختين أشار إليهما الشاعر المصري المشهور أحمد شوقي وهما:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم

لم يبنَ ملك على جهل وإقلال

* الملاحظة الرابعة: إن العمل والبناء من أجل نهضة مصر المعاصرة لا بد أن يشمل جميع طبقات وفئات المجتمع ولا يركز على فئة أو طبقة معينة، ولا ينبغي أن ننسى أن شعب مصر عانى كثيراً عبر العصور المظلمة وخاصة عصور الاستعمار والقمع والطغيان. ورغم أن حضارة مصر قامت على ركيزتين مهمتين سجلهما التاريخ وهاتان الركيزتان هما العلم والعدالة، ومن هنا كانت الإلهة ماعت أساس ورمز العدالة، وأسطورة الفلاح الفصيح الذي ذهب للفرعون يشتكي ظلم عماله ففتح الفرعون صدره له وأنصفه. أما الركيزة الثانية فهي العلم، ومن هنا كان تمثال الكاتب الجالس كرمز للعلم والمعرفة وتسجيل التاريخ والأحداث والمعارف والعلوم. هذا التقدم العلمي في مصر الفرعونية يستحق الإشادة به، كما يستحق إعادة إحيائه في عصرنا الحاضر، ومن هنا ضرورة تطوير البحث العلمي ومراكز البحوث والدراسات والاستفادة منها في اتخاذ القرارات في مختلف المجالات.

* الملاحظة الخامسة: إن دراستي للحضارتين المصرية الفرعونية والتاريخ المستمر مروراً بالحضارة الإسلامية، وكذلك دراستي للحضارة الصينية العريقة حتى يومنا هذا تجعل الارتباط بين الحضارتين وثيقاً، ومن الضروري البناء على ذلك، ولعله مما يثلج الصدر أن مصر والصين في عهدي الرئيسين عبدالفتاح السيسي وشي جينبينغ أقامتا علاقة استراتيجية شاملة، وهما تتشابهان في الاهتمام بالإنتاج والتقدم، كما تهتمان بمبدأ العدالة السماوية وارتباطها بالنظام السياسي، وفي حالة فقدان العدالة يرسل الله الإنذارات كما حدث في عهد ملك مصر في عهد الهكسوس، وكما حدث في الأسرة الفرعونية السادسة عندما قامت ثورة عارمة. وكما حدث في ثورة 23 يوليو 1952 وفي ثورة 25 يناير 2011 وفي التصحيح في 30 يونيو 2013. وللحديث بقية.

* مساعد وزير الخارجية الأسبق للتخطيط السياسي وسفير مصر الأسبق في الصين وخبير الدراسات الصينية والدراسات الاستراتيجية