^ واشنطن تدعو الآن إلى (حل إنساني) لقضية أحد قادة التيار الراديكالي المعتقل في البحرين عبدالهادي الخواجة الذي أضرب عن الطعام جزئياً منذ فترة. وتؤكد الإدارة الأمريكية أنها على اتصال دائم بحكومة البحرين في شأن هذه القضية. والإدارة الأمريكية أيضاً أكدت أن مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان ودبلوماسيين في السفارة الأمريكية في المنامة طرحوا القضية أمام السلطات في المنامة. وهو ما يؤكد التدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية البحرينية بلسان البيت الأبيض نفسه. هل يحق لواشنطن أن تطالب المنامة بالإفراج الفوري وإيجاد حل إنساني لقضية الخواجة؟ لا أعتقد ذلك طبعاً، لأنها مسألة سيادية ويجب احترام السيادة البحرينية على أراضيها كما احترت المنامة السيادة الأمريكية عندما اعتقلت واشنطن مجموعة من الشباب البحرينيين وأودعتهم في سجون غوانتنامو قبل سنوات من دون محاكمات ودون أدنى احترام لمبادئ حقوق الإنسان الدولية التي تتشدق بها الولايات المتحدة الأمريكية عبر عقود طويلة. لنقوم بمقارنة سريعة بين الحالة البحرينية ونظيرتها الأمريكية حتى نفهم قليلاً الحل الإنساني الذي تطالب به واشنطن. المنامة شهدت محاولة معلنة وموثقة لتغيير النظام السياسي والانقلاب على الحكم من قبل مجموعة من الشخصيات السياسية والحقوقية في فبراير 2011، وبعد سلسلة من التطورات استطاعت القبض على هذه الشخصيات التي تورطت في هذه الجريمة التي يجرّمها القانون. وبعد أن ظهرت الأنباء بعدم قانونية المحاكمات قامت بنقلها من المحاكم الخاصة إلى المحاكم المدنية العادية، ووفرت كافة الاعتبارات التي يجب الالتزام بها حفاظاً على حقوق المتهمين في تلك القضايا، ومن بينهم طبعاً الخواجة وغيره. فهل يحق الآن البحث عن الحل الإنساني الذي تطالب به واشنطن لقضية الخواجة مثلاً؟ ننتقل للحالة الأمريكية التي قامت فيها واشنطن باعتقال المئات من الأفراد في أفغانستان وغيرها باسم الإرهاب والتطرف وتم إيداعهم في السجون لأنهم يشكلون خطراً على الأمة الأمريكية وعلى الإنسانية جمعاء لاحترافهم الإرهاب. في تلك السجون تمت معاملتهم معاملة مهينة وتعرضوا للتعذيب وانتهاك حقوقهم الإنسانية، والأهم من ذلك أنه لم تتم محاكمتهم في محاكمات عادلة ونزيهة ومستقلة رغم أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تنص على (حق الإنسان في محاكمة عادلة)؟! حكومة البحرين طالبت كغيرها من الحكومات الإدارة الأمريكية إطلاق سراح المعتقلين البحرينيين في غوانتنامو كحل إنساني وأبقت على اتصالاتها الدائمة معها لبحث هذه القضية دون جدوى، رغم أن كل ما طالبت به المنامة مجرد (حل إنساني) لا أكثر! تصريحات الإدارة الأمريكية بشأن الحل الإنساني لقضية الخواجة تزامنت مع قضية مهمة لا يتابعها معظم البحرينيين وهي قضية مثيرة هنا وتستحق التعليق، هي قضية الجاسوس الإسرائيلي المقبوض عليه منذ أكثر من ربع قرن بعد أن أدين بالتجسس لصالح تل أبيب جوناثان بولارد. حيث رفضت واشنطن الدعوات الإسرائيلية للإفراج عن الجاسوس نفسه، خصوصاً وأنه أصيب بمشاكل صحية مما أدى إلى نقله للمركز الطبي في سجنه. تل أبيب طالبت بالإفراج عن الجاسوس وفقاً لاعتبارات إنسانية ويعتزم الرئيس الإسرائيلي تقديم رسالة لنظيره الأمريكي لتحقيق هذا الطلب، ولكن واشنطن ترفض ذلك. فكيف ترفض واشنطن الحل الإنساني لقضية الجاسوس، وتطالب به في قضية الخواجة؟! قد لا نكون أصحاب خبرة طويلة في مجال الديمقراطية لأننا حديثو عهد بها، ولكننا نفهم من الفكر السياسي الغربي والأمريكي تحديداً الذي درسناه أن الإصلاح السياسي والديمقراطية لا توجد فيهما حلول إنسانية لأنها أدوات لضمان حقوق الإنسان نفسها بشكل عادل، وبالتالي قد تقود مساعي واشنطن للبحث عن الحل الإنساني إلى فقدان مصداقية الإصلاحات السياسية والديمقراطية التي تبدي إعجابها بها من وقت لآخر. لا يهمنا ما إذا كانت قضية الخواجة ستنتهي بالإفراج عنه أو إبقائه، ولكن يجب أن تعرف واشنطن أن مصداقيتها لدى شعب البحرين وشعوب الخليج العربي باتت مفقودة بسبب مواقفها المتناقضة والمزدوجة كثيراً. وأن هناك من يرفض التدخل في الشؤون الداخلية للمنامة باعتباره متناقضاً مع مبادئ الفصل الأول لميثاق الأمم المتحدة وفقاً لاتفاقية سان فرانسيسكو صيف العام 1945. وإذا كانت المسألة سيادية فعلى الجهات المعنية بحماية سيادة الدولة التمسك بمبادئها وحماية الاستقلال الوطني للدولة من التدخلات الأجنبية.