كل من موقعه يستطيع أن يعطي من وقته وجهده وماله وتعبه لهذا الوطن. فليس هنالك من مستحيل يمكن أن يخطف هذا الوعي الوطني من الناس، فكلنا قادرون على العطاء وكل منا يمكن أن يعطي الكثير حتى من دون أي مقابل.

ما لفت نظري في هذا المجال وحفزني لطرح مثل هذا المفهوم، هو التقرير الخفيف الذي طرحته صحيفة «الوطن» قبل أيام بخصوص شابة بحرينية تقوم بتدريب عمل «الكورشية» للمتقاعدين والمراهقين ومرضى الاكتئاب، في محاولة منها أن توصل رسائل لهذه الفئات تتضمن قدرتهم على الإنتاجية وملء الوقت بالشكل الذي يرفع عنهم الحرج في ظل الظروف التائهة لدى بعض هؤلاء.

ربما يعتقد البعض أن العمل اليدوي «الكورشية» هو من أجل فتح منافذ للبيع والتجارة وغيرها، لكن هذه الشابة أثبتت بأنها تستطيع توظيف هذه المهنة اليدوية البسيطة الجميلة لخدمة ثلاث فئات من المجتمع. هي لن تستصغر من قدر هذا العمل اليدوي، ولم تتعلل بعدم قدرتها إعطاء هذا الوطن ما يستحقه من جهد ووقت، لكنها أثبتت أن كل إنسان من خلال عمله وموقعه -مهما صغر أو كبر- يمكن له أن يعطي هذا الوطن ولو بعض الجهد.

إن من واجبنا أن نخترع الوسائل والأساليب المختلفة التي من شأنها أن تخدم الناس وتفيد الوطن، فلا يجب أن نستصغر «العطاء»، ولا نتقاعس عن أداء واجبنا الوطني لأننا لا نجد الفائدة من تواضع موقعنا العملي أو الاجتماعي، بل علينا أن نخلق الفرص ونستثمر فيها في سبيل خدمة هذا الوطن.

إذا كانت فكرة «الكورشية» البسيطة وبحسب توظيفها الصائب تعطينا دروساً وطنية لأجل خدمة الناس وشرائح المجتمع المختلفة، فما هو عذر التاجر والموظف والمسؤول ورجال الأعمال والاجتماع حين يتقاعسون عن العطاء؟ إذا كانت الشابة البحرينية تخترع من «الكورشية» فكرة وطنية مفيدة فكيف ببقية المهن والوظائف والمناصب؟

نعم، علينا أن نتعلم من هذه الشابة البحرينية أن العمل البسيط المتواضع ليس عيباً وحسب، بل هو عمل له مقوماته ودلائله وآفاقه وسحره وقدراته على البناء، وأن كلاً من خلال موقعه يستطيع أن يبني هذا الوطن ويعطي لهذا الوطن ويخدم أبناء هذا الوطن، وألا حدود للأفكار والإبداعات حين يكون هاجسنا الوطن ولا شيء آخر غير حب الوطن.