يعمد النظام الإيراني إلى اعتقال كل معارض وكل منتقد لخامنئي ويصدر بحقهم أحكاماً ثقيلة يصل بعضها إلى الإعدام. الأمر نفسه يفعله النظام القطري الذي يعتبر مجرد التفكير في انتقاد أربابه جريمة لا تغتفر فالأرباب فوق الخطأ وفوق القانون، وكذلك يفعل النظام التركي الذي وفر في السنتين الأخيرتين العديد من الأمثلة على ضيق صدر أردوغان وديكتاتوريته. كل هذا وغيره كثير يحدث في هذه الدول الثلاث، لكنه كله لا يلفت انتباه «المنظمات الحقوقية» ومريدي السوء للبحرين والسعودية والإمارات، فهؤلاء يعتبرون تعرض شخص واحد في هذه الدول لشمخ بالخطأ قضية كبرى وتجاوزاً لحقوق الإنسان ولكل الحقوق.

آلاف الإيرانيين بينهم من يحمل جنسيات دول أخرى يقضون أجمل سنوات حياتهم في سجون النظام الإيراني، وآلاف الأتراك مكدسون في السجون التركية، وكثير من القطريين يواجهون الأمر نفسه في سجون قطر، لكن الحديث عن هؤلاء ممنوع لدى الذين يتخذون من البحرين والسعودية والإمارات موقفاً سالباً، أفراداً ومنظمات. الحديث المتاح لديهم هو عن كل شيء يحدث وكل شيء لا يحدث في الدول الخليجية الثلاث وفي مصر.

يكفي مثالاً على ما يحدث في إيران ما يتعرض له الإيرانيون من المنتمين للمعارضة وخصوصاً منظمة «مجاهدي خلق» من أذى لا يوصف، ويكفي مثالاً على ما يحدث في تركيا ما يتعرض له المعارضون الذين وجه إليهم أردوغان تهمة محاولة الانقلاب عليه، ويكفي مثالاً على ما يحدث في قطر حالة العمال الأجانب الذين جيء بهم لتشييد ملاعب المونديال والذين لم يعد أمامهم سوى التجمع بغية توصيل الصوت خصوصاً بعد تأخر رواتبهم وإحساسهم بالظلم الشديد ورفضهم المعاملة المهينة.

ما يعاني منه الناس إجمالاً في إيران وقطر وتركيا صعب وصفه لكنه لا يلفت انتباه المنظمات الحقوقية ومريدي السوء للبحرين والسعودية والإمارات ومصر، فما يحدث في الدول الأربع مهما صغر هو فقط الذي يلفت وهو الذي تنطبق عليه معايير التجاوز والاعتداء على حقوق الإنسان.

تدخل النظام الإيراني في شؤون جيرانه لا يعني لتلك المنظمات ولأولئك الأفراد شيئاً بل يعتبرونه أمراً طبيعياً، وزعزعة النظام القطري استقرار الدول الأخرى عبر الجمعيات الخيرية لا يعني لتلك المنظمات ولأولئك الأفراد شيئاً ويعتبرونه حقا من حقوق النظام القطري، والحال نفسه مع النظام التركي الذي يسعى إلى اقتطاع أجزاء من سوريا ويعتبر انتقاده اعتداء عليه وتدخلاً في شؤونه.

لا يهم المنظمات الحقوقية ولا أولئك الذين يريدون السوء للدول الأربع قيام قطر بإنشاء قواعد عسكرية إيرانية وتركية في الدوحة، ولا يهمهم ما قد يتعرض له البشر في هذه المنطقة جراء ذلك ولا يلتفتون إلى أن احتضان الدوحة للنظامين الإيراني والتركي يعني إقامة دائمة لمن ظل يتمنى أن يوجد له موطئ قدم في المنطقة. هذا الذي يشكل خطراً واضحاً وكبيراً على شعوب المنطقة لا تلتفت إليه تلك المنظمات وأولئك الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة»، لكنهم جميعاً أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بعدما اتخذت دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات قرار إنقاذ اليمن مما يراد له، ويقيمونها اليوم ولن يقعدوها بسبب ما حصل أخيراً في عدن، لكنهم لم يلتفتوا ولن يلتفتوا إلى إعلان عبد الملك الحوثي وخامنئي قيام الدولة الحوثية ولم يكلفوا أنفسهم حتى التعليق على تنصيب سفير للحوثيين لدى طهران التي صار قرار صنعاء في يدها وصارت تجاهر بذلك.

هذه الأحوال ينبغي أن تدفع المنظمات الحقوقية والذين يترصدون للدول الأربع إلى مراجعة مواقفهم، فما يقوم به النظام الإيراني والنظام التركي والنظام القطري هو الذي يستوجب النظر فيه ومحاكمته وليس ما ينتج عن تطبيق القانون في البحرين والسعودية والإمارات ومصر.