^  كل الشعوب في العالم تتظاهر وتطالب بزيادة الرواتب، ونقصان ساعات العمل، إلا الشعب الياباني، ذلكم الشعب الغريب، الذي يتظاهر من أجل أن تقوم إدارات الشركات والمصانع بزيادة ساعات العمل !! لأنه بزيادة ساعات العمل يتقاضون رواتب أعلى، هذه هي المعادلة لدى الشعب الياباني، زيادة الرواتب المرتبطة بزيادة ساعات العمل، ومن ثم زيادة الإنتاج . والواقع أن قصة الشعب الياباني قصة عجيبة، هي قصة الإنسان الذي لا ييأس مهما كانت العوائق، وهي قصة الإنسان الذي يتعلم من الانتكاسات التي يمر بها، فبدلاً من أن ترجعه للخلف، تدفعه دفعاً للأمام، فاليابان بعد الحرب العالمية الثانية كانت مدمرة بالكامل من جراء الأمر الذي أصدره الرئيس الأمريكي الأسبق( هاري ترومان) بإطلاق قنبلة نووية على هيروشيما في 6 أغسطس 1945م ، بعد رفض اليابان الامتثال لإرادة الدول المنتصرة بإعلان استسلام اليابان، وبعد ثلاثة أيام أطلقت الولايات المتحدة القنبلة الثانية على ناجازاكي، فأودت بحياة ما يقارب من ربع مليون شخص خلال أيام معدودة، وهي القنبلة النووية الوحيدة التي استخدمت في الحروب على مستوى العالم، والتي أطلقتها هي داعية حقوق الإنسان على المستوى الأممي الولايات المتحدة الأمريكية ! وبالرغم من أن اليابان وقعت وثيقة الاستسلام للقوى المنتصرة، بعد القنبلتين النوويتين في 15 أغسطس 1945 م إلا أن الشعب الياباني قرر ألا يستسلم لليأس، وفي إرادة وتحدٍ غريبين قرر اليابانيون أن يحققوا مفهوماً آخر للانتصار ، فأبداً لم تكن المدافع والقنابل والقذائف أدوات انتصار ، بل هي الإرادة التي تصنع الانتصارات، وهكذا استطاع اليابانيون خلال نصف قرن أن يبنوا قوة اقتصادية تحتل المركز الثاني على مستوى العالم، وكثير من شركاتها العملاقة تتمتع بسمعة عالمية، مثل تويوتا، وباناسونيك، وسوني، وغيرها من الشركات التي استطاعت أن تصل إلى كل بقعة في العالم . وبمناسبة زيارة جلالة الملك لليابان اليوم فإننا نؤكد على أهمية التعرف على هذا الشعب العظيم، والتعرف على طريقة تفكيره، التي ربما تتناقض تماماً مع نمط تفكيرنا، فنحن قوم نهوى الاستهلاك، وليست بيننا وبين الإنتاج الكبير مودة، بالقطع لدينا عقيدتنا التي نعتز بها، وعروبتنا التي نفخر بها، لكن نريد أن تكون لدينا تلكم الهمة العالية في التقدم الاقتصادي والعلمي والحياتي. أدعو أن تكثف البعثات العلمية إلى هذا البلد، والقيام بزيارات تعريفية إليها، لننظر إلى ما وصلوا .. وكيف أصبحوا، وأن نستغل التقارب السياسي في تحقيق شيء من التقارب في مجالات النهضة والتنمية، لا نريد طبعاً أن يتظاهر الناس من أجل أن تزيد عدد ساعات عملهم، فتحقيق ذلك أمر صعب، فقط نريد أن نتعلم من غيرنا كيف في فترات وجيزة، حققوا الحلم، وصار إنجازهم مضرب المثل في الشرق والغرب. وإذا كان اليابانيون يعتزون بلغتهم، فليس أمامنا سوى أن يجيد بعضنا لغتهم، لينقل لنا بعضاً من أنماط تفكيرهم، وأسلوب معيشتهم ، ونأخذ منها ما ينسجم مع هويتنا، وقد أُمرنا أن نتعلم العلم من حائزه، ولو كان في الصين أو اليابان، ولا غرو، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.