مقومات كل دولة الأساسية، إقليم وقيادة وشعب، وعلى هذا الأساس نشأت الدول، واعترفت الدول بعضها ببعض، وفي عصرنا الحديث، كانت عصبة الأمم المتحدة التي رأت النور من بعد الحرب العالمية الأولى -من عام 1914 إلى 1918- تلك الفترة التي قاسى العالم فيها ويلات الحروب الكريهة التي حصدت مئات الآلاف من البشر، والدول المنتصرة، وقد غيرت حدود دول قائمة لا إنصاف فيها ولا عدالة إنسانية لأصحاب الأرض الشرعيين.

من أهداف عصبة الأمم، أن تضع نهاية للحروب المدمرة، وأن تقوم العلاقات بين الدول على التعاون المثمر فيما بينها، في جو يسوده السلام ومعاملة الند للند، لكن هذا لم يمنع نشوب الحرب العالمية الثانية، وأكثر المحللين السياسيين يشيرون إلى أن حب السيطرة والاستقواء وإيجاد أسواق لتجارتهم في أسواق خارج دولهم، بالإضافة إلى استيلاء الدول القوية على ثروات الدول الضعيفة خاصة إذا كانت هذه الثروة استراتيجية مثل البترول والغاز في حاضرنا، بالإضافة إلى المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية والمواقع الجغرافية التي تتحكم في الممرات البحرية مثل المضيقات، وهذه لا تحمى بالبوارج وحاملات الطائرات الضخمة، إنما تحميها الصواريخ العابرة للقارات والمسيرة ذاتياً والمبرمجة لإصابة هدفها بدقة في أي بقعة من العالم، ناهيك عن الطائرات بدون طيارين.

الحروب اختلفت اختلافاً كبيراً من الماضي، والجيوش الجرارة التي تعتمد على الإنسان، وقد يكون هناك التحام بين الجيشين الملتحمين في ساحة المعركة، ومواجهة وجهاً لوجه، فيقتل كل جندي في صفوف أحد الطرفين جندياً من الطرف الآخر، لا بالرصاص، وإنما تمزيق خصمه بالسلاح الأبيض بوحشية، وكأن أعينهم جميعاً لا ترى، وآذانهم لا تسمع، بشاعة ما حملته أيديهم!

هذه المآسي، أوحت لأصحاب العقول الإنسانية والضمائر الحية، دعوات لنبذ الحروب، وإنهاء قتل الإنسان لأخيه الإنسان طمعاً لنفوذ وهيمنة، لا دفاعاً عن النفس، وأحياناً كثيرة نصرة الظالم على المظلوم المستضعف، وحرمانه من حقه في العيش بسلام في وطنه.

مملكة البحرين كدولة صغيرة اختارت السلام شعاراً لها منذ التأسيس، والتعايش السلمي بين الأديان والأمم.

وكونها أول دولة دولة خليجية عربية تنتج النفط وتكرره، استهدفت من قبل دول المحور، مع إنها -أي البحرين- بعيدة جداً من مسرح العمليات العسكرية، استهدفت بلادنا بغارة جوية هدفها تدمير معمل التكرير الذي اعتبرته دول المحور أنه يمد الحلفاء بالوقود للطائرات والبوارج وما يدب على الأرض من آلات حربية، لكن تلك الغارة باءت بالفشل، ولم يصب معمل التكرير بسوء.

وعندما أنشئت منظمة دول عدم الانحياز في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، كانت البحرين من أوائل الدول التي انتهجت عدم الانحياز لأي كتلة أثناء الحرب الباردة، ووجهت كل إمكانياتها -أي البحرين- لبناء الوطن والمواطن، مع إنشاء قوة دفاعية تحمي مكتسباتنا من أي طامع.

وفعلاً تحقق لنا ذلك الهدف السامي بفضل من الله ومن حكام مملكة البحرين وتلاحم الشعب معها.

وشرعنا نبني السلام وندعو له على المستوى الداخلي والعربي والإقليمي والدولي، منطلقين من المشروع الإصلاحي الذي تبناه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وكان صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه، كان سموه هو المنفذ لسياسة المملكة العليا كونه رئيس الحكومة، وظهرت عبقرية سموه بإطلاقه مقولته المشهورة «ثروة البلاد في أبنائها»، وطبق ما آمن به على الواقع، وها نحن نرى المواطن المتعلم يملأ كل مفصل من مفاصل العمل الحكومي، وأيضاً كل عمل خاص، وبالعمل والحضور والزيارات الميدانية وتفقد أحوال المواطنين وتحقيق مطالبهم المعيشية والسكانية والصحية والتعليمية، نال حب وتقدير جميع المواطنين، وتقديراً لسموه، فمنحته جامعات على المستوى العالمي شهادات جامعية فخرية، وأشادت منظمات حقوقية وإقليمية ودولية بعطائه كرئيس حكومة من الطراز الأول.

وإذا كانت منظمة الأمم المتحدة، قد تبنت دعوته الكريمة بجعل الخامس من شهر أبريل من كل عام عاماً دولياً للضمير، هذا المقترح شاهد على أن ضمير سموه هو الضمير الإنساني، وما يجري في أجزاء من العالم من مآسٍ، تدمى لها الأفئدة، وتدمع من هولها العيون، وتبلغ القلوب الحناجر، كل هذا شيء محزن في عصر الثورة العلمية واتصال الشعوب ببعضها، البعيد منها والقريب، ويتحتم علينا أن يتحمل كل فرد من البشر مسؤوليته خاصة قادة الدول الكبرى التي تتحكم في مصائر الشعوب المستضعفة لنبذ الصراعات في الدولة الواحدة والإقليمية والعالمية، وأن يصرخ كل منا بأعلى صوته، أُصحُ يا أيها الضمير الجماعي، فالخير كل الخير في صحوتك، ونشر السلام والتعايش بين الشعوب.

وبالمجمل، أن مدعاة لاعتزازنا وفخرنا بسموه رئيساً للوزراء، راجين لسموه دوام الصحة والعافية وطول العمر، وإلى مزيد من العطاء الذي لا ينضب لصالح سكان القارات الخمس.