الصياصي جمعة صيصة، وهو حسب قواميس اللغة ما يتحصن به. وقد وردت كلمة صياصيهم في سورة الأحزاب بمعنى الحصون والمعاقل. وبعيداً عن القصة التي استخدم فيها القرآن الكريم هذا اللفظ فإن ما قام به النظام القطري منذ اللحظة التي اتخذت فيها الدول الأربع قرار مقاطعة قطر أملاً في إعادتها إلى الصف هو أنه تحصن بالنظامين الإيراني والتركي وفتح لهما قطر ليتحركا فيها كيفما يشاءان، معتقداً بأنه بهما يكون في أمان.

النظام القطري أوهم نفسه بأنه صار في خطر وصدق الكذبة التي نشرها وملخصها أن الدول الأربع تريد به السوء وتعمل على إرغامه على أمور تهدد سلطته ومستقبله، لهذا قرر أن يتحصن و»يتصيص» من دون أن ينتبه إلى أن الدول الأربع لو أرادت به ما يدعي لانتهى مبكراً ولتغيرت أمور كثيرة في المنطقة.

الدول الأربع لم ترد بقطر سوءاً ولم ترد من النظام القطري سوى إعادة النظر في ممارساته كي لا تتضرر ولا تتضرر المنطقة لأن ما مارسه النظام في الفترة السابقة كان سالباً للاستقرار والخير في المنطقة وغير مقبول.

لكن النظام القطري وبدل أن يراجع نفسه ويصحح مساره اتجه إلى التحصن بالنظامين الإيراني والتركي وأغدق على الأمريكان فطور قاعدة العديد بأكثر من 80 مليار دولار، معتقداً أن هذا يضمن له عدم السقوط ويستطيع من ثم أن يواصل الدور الذي ارتضاه لنفسه وهو مرتاح.

الدول الأربع لا ترمي إلى إلقاء الخوف في قلب النظام القطري ولا تريد إنزال الهزيمة بأربابه، لهذا لم تلجأ إلى الأساليب التي عمد النظام إلى تخويف الشعب القطري منها كي يضمن وقوفه إلى جانبه. هذه الدول لم تقتل فريقاً ولم تأسر فريقاً آخر، وكل ما سعت إليه يدخل في باب تعقيل النظام ومساعدته على الخروج من المأزق الذي أوقع نفسه فيه، والمثير أنها لم تغلق هذا الباب ولاتزال تأمل أن يبادر النظام القطري بتصحيح أخطائه والعودة إلى حيث يجب أن يكون.

ليس النظامان الإيراني والتركي هما اللذان يمكنهما أن يخرجا النظام القطري من ورطته لأنهما ليسا حصوناً ولا يمكن لعاقل أن «يتصيص» بهما. حاجة هذين النظامين إلى التحصن والتصيص أكبر من حاجة النظام القطري، وهذا يعني أن ما يقوم به النظام القطري هو أنه يساعد على إخراج هذين النظامين من وضعهما البائس على حسابه وحساب الشعب القطري وعلى حساب المنطقة التي لا يمكن أن تنعم بالاستقرار في وجود النظامين الإيراني والتركي. النظام القطري عمد إلى التحصن بمن هو محتاج إلى التحصن ولا يستطيع أن يحمي نفسه وتسبب بذلك في أذى المنطقة، وصار واضحاً أنه اعتقد بأن بإمكانه بالتحصن بهذين النظامين أن يخيف الدول الأربع ويجعلها تتراجع عن قرارها التاريخي.

لن يطول الوقت حتى يتبين للنظام القطري خطأ حساباته وخطأ هذه الخطوة، فما سيحدث -أو ربما حدث وانتهى الأمر- هو أن النظامين الإيراني والتركي سيسيطران على القرار القطري وسيجد النظام القطري نفسه عاملاً لديهما وليس أرباباً عليهما. هذا النظامان لم يحضرا إلى الدوحة من أجل سواد عيون أرباب النظام القطري وإنما جاءا لأنهما لا يمكن أن يضيعا مثل هذه الفرصة التي قد لا تأتي مرة أخرى، والشاطر هو من يستغل الفرصة ويحسن التصرف في اللحظة.

فارق كبير بين الإتيان بأفضل أنواع الأبقار من ألمانيا لإنتاج الحليب ومشتقاته في الدوحة والتوقف عن استيراد منتجاته من الدول الأربع وبين الإتيان بالنظامين الإيراني والتركي بغية التحصن بهما واعتبارهما من المعاقل والصياصي. لكن هذا الفارق لن يتبين للنظام القطري إلا بعد أن يفتقد القرار.