^ نشرت وكالة الأنباء السعودية (واس) قبل يومين، خبر موافقة “مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية، على مشروع قرار من شأنه اتباع نظام جديد للحد من عمليات غسيل الأموال، وتمويل المنظمات الإرهابية، (منوهة) بالنتائج المترتبة عن جلسة مجلس الوزراء والتي تنص على الموافقة على نظام مكافحة غسل الأموال، بالصيغة المرفقة بالقرار”. ذهب البعض إلى احتمال أن يكون إحالة “قضية ما عرف بهوامير (سوا) إلى هيئة التحقيق والادعاء العام والمحكمة العامة، بعد نقضها لما أصدرته فيها محكمة الاستئناف بمنطقة مكة المكرمة من تعديلات وأحكام، وذلك اعتماداً على المادة (26) من نظام غسل أموال والنصب والاحتيال”، هي أحد الأسباب التي حثت مجلس الوزراء السعودي على الالتفات إلى هذه المسألة، وإعطائها بعض الاهتمام، في هذه المرحلة بالذات، لكن ينبغي أن لا يستبعد أن يحمل الدافع الأساسي وراء هذه الوقفة السعودية بعض الأسباب السياسية التي بدأت تطفو على السطح مرافقة لعمليات ما أصبح يطلق عليه تسمية “الإرهاب الدولي”، دون أن يخفي أي من الاحتمالين كل عناصر الدمار الاقتصادية والاجتماعية التي تحملها في أحشائها عمليات تبييض الأموال، وانعكاس ذلك على اقتصاديات ضحاياها من البلدان التي تنشط فيها، والتي لا تقلل من سلبياتها، بعض مظاهر الانتعاش السطحية، المؤقتة التي غالباً ما تظهر على سطح تلك العمليات في الأسواق التي تهاجمها، والتي تشبه إلى حد بعيد سكرات الموت الأخيرة التي تكشف عن قوة مؤقتة، قبل أن يتحول المنازع إلى جثة هامدة. لمثل تلك التداعيات السلبية المدمرة على الصعد كافة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي التي تستدعي، من دولة مثل المملكة دورية العودة لمعالجة الموضوع، دون أن يكون هناك سبب مباشر آني لطرقه. ورغم الأهمية التي تحظى بها هذه الظاهرة، لكن لابد من الاعتراف بأن هناك خلافاً في صفوف الباحثين عن أصولها، حول تأريخ ممارسة الإنسان لها. فالبعض من أمثال مروة معتز خفاجي، يعود بها إلى عمليات “القرصنة الذي قام بها هنري إفري (Henry Every)، وعصابته في المحيطين الأطلنطي والهندي بحيث قام بجمع أطنان من المجوهرات والذهب ثم قرر التقاعد والاستمتاع بغنائمه، وسعى إلى تحريك أمواله من خلال أعمال تجارية إلا أن أسلوبه في غسل الأموال لم يكن موفقاً”. لكن آخرين، ومن بينهم خفاجي أيضاً، يضعون مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، كنقطة انطلاق لعمليات “غسل الأموال بشكل منظم بواسطة شخص يدعى مير لانسكي (Meyer Lansky)، الذي كان يمثل حلقة الوصل بين المافيا الأمريكية والمافيا الإيطالية خلال الحرب العالمية الثانية وذلك لتسهيل دخول القوات البحرية للحلفاء جزيرة صقلية”. وتماماً، كما إن هناك الكثير من الاجتهادات الساعية إلى رصد تاريخ غسل أو تبييض الأموال، هناك أيضاً محاولات كثيرة تطمح إلى وضع تعريف محدد لعملياتها. وفي تعريف الباحث السعودي، وأستاذ القانون المساعد بمعهد الإدارة العامة سابقاً، سعود بن عبد العزيز المريشد، الكثير من الدقة التي ترشدنا إلى فهمها، فهو يحاول أن يحصرها بين الضيق المحدود، والواسع الشامل، فنجد تعريفه يتراوح بين مفهوم تبييض الأموال الذي يجرى “على الأموال غير المشروعة المتأتية من جرائم محددة على سبيل الحصر، ومن تلك الجرائم: جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية”، ثم يتسع كي “يشمل جميع الأموال غير المشروعة المتأتية من جميع الجرائم دون استثناء”. وهناك العديد من الدول التي تأخذ بتعريف غسل الأموال كما ورد في آخر اتفاقية دولية في هذا المجال، وهي اتفاقية باليرمو 2000. لكن التعريف الأقصر، والأكثر شيوعاً هو ذلك الذي يعتبر جوهر عمليات غسل الأموال تكمن في إجراءات “إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات وقنوات استثمار شرعية لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال”. ويولي فقهاء القانون اهتماماً أكبر بمصادر الأموال، من التوقف عند تعريفاتها، لأن الأولى تعينهم على تحديد طبيعة الجريمة، ومن ثم صياغة نصوص العقوبات المترتبة عليها. ويأخذ الكثير باجتهادات الدراسة المعنونة “فهم دورة غسيل الأموال”، من تأليف الباحثين “بول بافر” و«رودا أولمان”، كأحد المراجع الأساسية في هذا المجال، لكونها تختار ثمان مصادر رئيسة شاملة هي: 1. المخدرات والمؤثرات العقلية 2. التجارة غير المشروعة في الأسلحة النارية والذخائر 3. الجرائم المرتبطة بمخالفة أحكام قانون البيئة. 4. الخطف والقرصنة والإرهاب والتي ازدادت بسبب الفقر واللاعدالة والتخلي عن القيم السامية. 5. جرائم الاحتيال وخيانة الأمانة وما يتصل بهما من تجسس وتزوير للنقود 6. جرائم الرشوة والاختلاس والإضرار بالأموال العمومية. 7. تجارة الأعراض والدعارة وما يرتبط بهما. 8. أية جرائم أخرى ذات الصلة بما سبق ذكره والتي تنص عليها الاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرفاً فيها. وكما يكشف الكثير من المصادر التي تعمل على متابعة التحولات التي تمر بها الأموال المرغوب في غسلها، هناك ثلاث مراحل رئيسة، تحتاجها عمليات تبييض الأموال، قبل أن تتخلص من تاريخها، وتكتسب شرعيتها كي تصبح “موجودات” نقدية أو عينية، قادرة على ممارسة أنشطة تجارية علنية، تبدو أنها خاضعة للقوانين والأنظمة المعمول بها في البلد الذي وقع اختيار أصحاب تلك الأموال “المغسولة” عليه. المرحلة الأولى هي تلك التي توصف بعبارة “التنظيف، أو الإيداع النقدي”، والتي يجري خلالها “استثمار الأموال العائدة من تجارة المخدرات بصورة إيداعات أو مشتريات أولية مبدئية عن طريق بعض الأساليب الشائعة بين مهربي المخدرات مثل القيام بإيداعات بنكيه في أحد البنوك أو شراء ضمانات بنكية ووحدات نقدية وتحويلها إلى نقد في مكان آخر”. أما المرحلة الثانية فهي تلك أصبحت تعرف باسم “الترقيد، أو التجميد”، حيث يجري بموجبها، “تجزئة الأموال من خلال تحويلات إلكترونية متعددة محلية وعالمية، أو عن طريق إساءة استعمال نظام التحويل الأوتوماتيكي بإجراء تحويل أو تحريك الأموال من حساب إلى آخر، أو ربح الحسابات إما لاستعمالها في وقت لاحق أو تحويلها لحسابات أجنبية”. وتأتي المرحلة الثالثة والنهائية، وهي التي تعرف باسم “ الدمج، أو التكامل”، كي تمارس دورها في “دس الأموال في حسابات أجنبية وواجهات أعمال شرعيه أو تحت ستار عمل تجاري صوري وتبدو وكأنها تحصلت من أعمال تجارية مشروعة