أجمل الصفات التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان، صفة «احترام الآخرين».

وحينما نتحدث عن هذا الاحترام، فإننا لا نعني الاحترام المحدود للأقرباء والمعارف والأصدقاء، بل ذاك الاحترام الذي لا يرتبط بحدود، والذي يصل مداه ليعم العالم بأسره.

هل أبالغ حينما أقول بأن أجمل الصفات في الإنسان هو «احترامه للعالم»؟!

أبداً لا، فمما تعلمته من خلال تنشئتي على يد والد متواضع يحترم كل أصناف البشر، أن الاحترام لا يرتبط بعرق أو لون، ولا بطبقة اجتماعية، ولا بحسب ثراء الطرف الآخر أو فقره، بل الاحترام صفة متأصلة لابد وأن توجد لدى أي إنسان سوي.

لذا أذكر أنني ذات مرة في أحد المجالس، ووسط حديث مع الأصدقاء، احتد الكلام بين اثنين فقام أحدهما بمحاولة التقليل من شأن الآخر، وقال له بالحرف: «لماذا لا تفهم، أنت هندي»؟!

هنا وجدت نفسي أرد بسرعة كبيرة جداً، ولعل ما دفعني لذلك صورة أول هندي جاء في مخيلتي، صديقي «شارما» والذي تشاركت معه عدداً من الصفوف خلال دراسة الماجستير في بريطانيا، وكيف أنه كان ذكياً بصورة لا يمكن وصفها، وكيف أن الجامعة هي من لاحقته ليدرس الدكتوراه فيها حتى قبل أن يكمل رسالة الماجستير، وكيف أن هذا الشاب الذي جاء من عائلة فقيرة صرفت مدخراتها لأجله حتى يدرس في أحد أفضل جامعات بريطانيا، كيف أنه كان شعلة ذكاء، وشخصاً متواضعاً، يساعد الجميع، وكان لنا نحن الشرف، خليجيين وبريطانيين وألمان وفرنسين وروس، أنه حينما نتحدث عن شارما نقول «هو صديقنا».

تذكرت صديقي العبقري حينما كان لساني ينطلق للرد على الأخ الذي استهزأ بجنسية دولة هي من أعظم الأمم وأعلاها شأناً، ولولا مواطنيها الذين تجدهم في شتى أنحاء العالم، لتأخر نماء دول، ولتراجع تطور دول.

«حضرتك، ماذا تعرف عن الهند، حتى تمنح نفسك حق الاستهزاء بها؟!»، سألته ولم أنتظر جواباً، فقد قلت: أنت تتحدث عن إمبراطورية عظيمة، هي اليوم ثاني أكبر تعداد سكاني يصل لمليار وربع نسمة، وأعرف أنك تتحدث عن نماذج من العمالة التي تعمل في بلادنا، والتي لولا التضخم في العمالة بالهند، ولولا حاجتها، لما جاءت لتعمل وتبحث عن الرزق حتى يقلل من شأنها أشخاص لا يقوون على القيام بربع ما يقومون به، أولم تبنَ مبانينا من خلالهم، وقامت أسواقنا عليهم، ونشاطنا التجاري مرهون بهم؟! واترك عنك كل هذا، فعرفني أنت بالهند التي تغرق عقول أبنائها العالم كله، من أطباء وعلماء فضاء، ومخترعين ومهندسين وعباقرة في التخطيط والمحاسبة، ويكفي أن في عالم التكنولوجيا والحواسيب تفاجأ اليابانيون بمزاحمة الهنود لهم فيه، وإن كنت تريد أن تتحدث عن الصناعة والتسليح لديهم فستتعب، لكن سأختصر كل ذلك في سؤال وحيد فقط: هل تعلم أن الهند من أوائل الدول الآسيوية التي غزت الفضاء، نعم هم في الفضاء وأنت مازلت على الأرض؟! ولن أتحدث عن «بولييود» التي تفوق أرقام إنتاجها الفني «هوليوود» بعظمتها.

تذكرت هذه الحادثة، وأنا أتابع الأخبار المعنية بزيارة رئيس وزراء الهند للبحرين، ومقابلاته واجتماعاته بجلالة الملك حفظه الله وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، أتابع كل ذلك مع احترام كبير لممثل الهند العظيمة، هذه الجمهورية التي قدمت غاندي كرمز خالد، هذه الجمهورية التي ركضت وراء ثرواتها بريطانيا وأعجزت التاج الملكي بقوة شعبها، واليوم هي ثالث قوة اقتصادية عالمية وثالث أكبر قوة عسكرية، ومن أكبر الدول المصدرة لكوادرها المتنوعة، والتي تجدها في كل مكان وموقع، حتى الفضاء.

هذا الجمهورية الرائعة بتاريخها تستحق الاحترام، هذا الشعب المتواضع من رئيسه لأصغر مواطن فيه يستحق الاحترام، وحينما تبني هذه الجمهورية القوية علاقة وطيدة مع بلادي البحرين وملكها فإن لنا الفخر والاعتزاز بحليف لديه التاريخ الضخم المبهر، ولديه التاريخ الحديث الذي يتعلم منه العالم، والذي يمتلك مفاتيح المستقبل لمواجهة تحدياته.

من لا يحترم الشعوب العظيمة، ويحصر أو يقصر تاريخها ومجدها في نماذج بسيطة متواضعة تغربت لتعمل وتكسب رزقها، من يتعالى على البشر هو من لا يستحق ذرة احترام، وفي البحرين نحن مملكة الاحترام والمحبة والتعايش، فأهلاً برئيس وزراء الهند العظيمة، هذه الجمهورية التي كانت ومازالت وستظل حليفة وصديقة قوية للبحرين على امتداد العصور كما قال ملكنا العزيز حفظه الله.