على غير العادة سأتداول موضوعاً يتعلق بمبادرة حديثة تم إطلاقها من قبل شباب بحرينيين محبين لوطنهم ومستعدين للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل محبوبتهم البحرين.. «بحرنا نظيف» مبادرة يانعة وجميلة مفعمة بالمشاعر النبيلة والصادقة المعنية بالمحافظة على البيئة البحرية والحياة الفطرية لبلدنا الحبيب، تقودها مجموعة تم تشكيلها حديثاً تحت اسم «فريق البحرين للغوص التطوعي». هذه المبادرة استوقفتني أثناء قراءتي لإعلانهم لبرهة لأقرر لحظتها المشاركة في حملاتها والانضمام لهذا الفريق التطوعي كعضوة دائمة ومن ثم الكتابة عن هذه المبادرة إيماناً مني بصفاء قلوب المشاركين في هذه الحملة وصدق نواياهم المنصبة في حب الوطن.

وقد يتساءل البعض عن صلة هذا الموضوع بالمواضيع التي سبق وأن تداولتها في مقالاتي التي تخص التعليم والتعلم بشكل جذري. من وجهة نظري الصلة والارتباط عزيزي القارئ بالتعليم والتعلم قوي جداً، حيث إنني من المؤمنات بأن هدف التعليم الأساسي هو بناء كيان الإنسان بما يتناسب مع ثقافته وهويته ليصبح عضواً فاعلاً ومفيداً لنفسه ولمجتمعه. والسبب الثاني لكتابتي هذا الموضوع هو أنه يمسني شخصياً بشكل كبير لأني من مرتادي البحر، وقد لا أبالغ إن قلت إنني من الذين يقضون وقتهم في أعماق البحار كوني غواصة أكثر من مكوثهم على اليابسة في أوقات الإجازات، فسلامة وصحة البيئة البحرية لوطني من أولوياتي بلا أدنى شك.

العمل الدؤوب لهذا الفريق وحماسهم غير المتوقف وحس المسؤولية المنبثق من النفس أذهلني وجعلني أتدبر في الدوافع والأسباب التي تجعل من كل عضو منتسب للفريق يعمل بتنافسية للعطاء. والأسباب التي توصلت إليها لا تحيد عما توصلت إليه بحوث علم النفس والمجتمع والتعليم والتعلم.

فقد تبين أن بناء شخصية الإنسان بهدف تنمية حس المنفعة العامة والشراكة المجتمعية والمحافظة على ما حوله بغرض الإيثار والاستدامة من أهم ما تقوم عليه أغلب نظم التعليم والتعلم في العالم منذ القدم، حيث وجد العلم لبناء الإنسان. لقد بدأ التعليم على أسس تضمن تهيئة وإعداد مواطنين صالحين ذوي هوية تنسب لمجتمعاتهم قبل أن يتطرق إلى المعارف والمهارات التقنية التي يجب أن يكتسبها المرء لضمان موقعه في سوق العمل، «التعليم يحرس البلاد أفضل من جيش منظم»، «إدوارد أفريت»، وهذا ما نرجوه من نظامنا التعليمي وهذا ما أثبته الفريق المشارك في حملات «بحرنا نظيف». فقد أثبت الفريق بأن شبابه مثقف وواعٍ لكل ما يحدث على الصعيد المحلي والدولي وأنهم مطلعون على كل ما هو جديد وله تأثير على مجتمعنا. إن تحركهم المستقل المشبع بالعزيمة لإنقاذ البيئة الفطرية والحياة البحرية لمملكتنا الغالية خير دليل لمدى إدراكهم ومعرفتهم بخطورة الوضع الحالي وأخذ مسؤولية التغير على عاتقهم للحفاظ على البيئة بشتى الطرق. كما أن القيم والمبادئ المرسخة في كل فرد منهم طفت على سطح سلوكياتهم التي بدت للعيان بأن تأسيس هؤلاء الأفراد استمر على مراحل حياتهم ومن ضمنها مرحلة التعليم التي في الغالب تأخذ على الأقل 9 سنوات كما أثبتت مؤشراتنا في التعليم.

والسبب الثاني في اعتقادي يرجع لبنية المجتمع البحريني المتين، حيث ثقافتنا تعزز روح الجماعة والتعاضد والمنفعة العامة، ومثل هذه السلوكيات والقيم والأخلاقيات تتناقل بحكم نسيجنا المترابط من جيل إلى جيل.

ومن الظواهر التي استوقفتني لتثبت ما توصلت إليه هي ظاهرة ازدياد عدد المتطوعين مع كل حملة من حملات هذه المبادرة. إن هذا مؤشر لا يستهان به، ولا يمكن أن ينسب دوافع هذا العمل غير الربحي لأسباب غير دافع حب الوطن، وحس الانتماء، والمنفعة العامة، فكما ذكرت هذه القيم تزرع منذ نعومة أظفار أطفالنا في البيت ومن ثم تصقل في غرف الدراسة من قبل التربويين الوطنيين وتثبت مع الرفقة الصالحة والمجتمع المحيط بالأفراد. فكما قال نيلسون مانديلا «التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم»، ولذلك يجب أن نحرص على مراجعة مناهجنا التعليمية لكل المستويات التعليمية ودعمها بالقيم التي تضمن بناء مجتمع مستقل وقوي وقادر على التغير للأفضل. وكذلك علينا الافتخار والإشادة بهذه الأمثلة كمبادرة «بحرنا نظيف» كل ما سنحت لنا الفرصة لتنتشر ولتعمم هذه السلوكيات على الجميع لأن #البحرين_تستاهل.