* مناظرة جماهيرية كشفت القدرات الحوارية والمهارات الإقناعية العالية لشباب البحرين

* المناظرة تداولت قضية مصيرية وفتحت آفاقاً معرفية وزوايا تفكير لم تطرأ على بالهم

* نسبة البطالة في البحرين 4.7% وهي معقولة مقارنة بدول العالم

* الوظائف العامة تراجعت وأصبح الطلب على الوظائف التخصصية الدقيقة

لفتنا عنوان المناظرة الجماهيرية «على الشباب أخذ زمام المبادرة في حل مشكلة البطالة عوضاً عن لوم الحكومات»، التي نظمها مركز مناظرات البحرين برعاية كريمة من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، وبحضور وزير الشباب والرياضة أيمن توفيق المؤيد، وعدد من أعضاء مجلس النواب، ونخب من المسؤولين وأساتذة الجامعات والناشطين الشباب، وممثلي الصحافة والإعلام، ولجنة بحرنة الوظائف، وذلك في فندق جولدن توليب البحرين.

كنا من ضمن الأشخاص الحريصين على الحضور لهذه المناظرة، ونحن نشعر أننا عدنا إلى مرحلة الجامعة والأنشطة الجامعية التي كنا ننظمها في نادي الإعلام، حيث كنا نقيم مثل هذه المناظرات الجماهيرية الطلابية التي عادة تضم فريقين، الأول فريق يكون «مع» والآخر فريق يكون «ضد « لقضية ما، والفريق الفائز هو الفريق القادر على إقناع لجنة التحكيم والجمهور الحاضر بحججه ومنطقه وبراهينه في إثبات القضية المثارة، وكانت مثل هذه المناظرات تستقطب عادة الشباب المتحمس لطرح أفكاره وآرائه، والمحب للجدل والنقاش والحوار، وتثري معارفه وتمني مهارات التواصل لديه، إلا أننا تفاجأنا أمام الحضور الكبير الذي ملأ القاعة بالمستوى العالي جداً الذي قدمه كلا الفريقين للمناظرة، الفريق الشبابي المعارض لفكرة أن على الشباب أخذ زمام المبادرة في حل مشكلة البطالة عوضاً عن لوم الحكومات، والفريق المؤيد لهذه الفكرة والمنطق، وقد كنا نتمنى وقتها لو سجلت وعرضت على شاشة تلفزيون البحرين كاملة، فما طرح فيها مهم أن يصل لكل شاب وشابة بحرينية.

كانت هناك العديد من الأطروحات المفيدة والهامة جداً التي ناقشها كلا الفريقين بمستوى خطابي لافت ومميز ويعكس مدى الثقة والقدرة على إدارة الحوار وطرح الأفكار وتسلسل المعلومات بشكل مرتب وجميل، بل وسرعة البديهة في الرد على حجج الفريق الآخر الخصم وتجهيز المداخلات في دقائق، وشعر الكثير -كما علق الحضور في مداخلاتهم- بأن مستوى هؤلاء الشباب بطريقة تقديمهم للمعلومات والحجج وقدرتهم على إثبات صحة موقفهم المتخذ وعرضهم الشيق بالتأكيد ينتظرهم مستقبل مشرق في مراكز قيادية متقدمة وفي المجلس التشريعي، فحتى لجنة التحكيم قد اعترفت أنها احتارت في التقييم أمام قوة حجج كلا الفريقين وقدرتهم العالية على الإقناع، كان أداؤهم لافتاً للغاية، والشخص الذي حضر العديد من المناظرات هو من أكثر الأشخاص الذين يدركون أن مستوى الشباب المشاركين في هذه المناظرة يعتبر من المستويات المتقدمة الرائعة مقارنة بمناظرات أخرى نظمت.

الأهم من كل هذا، إبعاد هذه المناظرة والأهداف التي نجحت في تحقيقها وهي طرح هذه القضية المصيرية، من كافة الأبعاد والنواحي وفتح آفاق معرفية جديدة لدى الشباب وزوايا تفكير قد لم تطرأ على بال الشاب والشابة البحرينية فيها من قبل، حيث نتمنى أن تقام هذه المناظرة على مستوى محافظات مملكة البحرين الأربع وتقام على شكل سلسلة متتالية من المناظرات الجماهيرية التي تستقطب معظم شباب مملكة البحرين للنقاش حول هذه القضية الهامة جداً عند شريحة الشباب والتي تعتبر بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت، فالحصول على وظيفة ملائمة ومناسبة هو أساس طموح كل شاب وشابة في مقتبل حياتهم العملية، وعلينا أن نعترف أن ملف البطالة هو من فتح علينا باب تغرير بعض الشباب لجعلهم معاول هدم لتنمية البحرين.

«فريق الموالاة»، وهو الفريق الشبابي المؤيد لفكرة أن على الشباب أخذ زمام المبادرة في حل مشكلة البطالة عوضاً عن لوم الحكومات طرح عدة أفكار هامة، بدأها بتعريف العاطل عن العمل والتي تعني أنه «هو كل شخص قادر على العمل وراغب فيه ولم يحظَ بوظيفة عمل ويعثر على فرصة شاغرة»، ومن الحجج التي طرحها أن البحرين تشكل أرضاً خصبة لاكتشاف الذات، ولابد للشباب أن يخلقوا لأنفسهم فرص عمل، فالحكومة في أي بلد ما قد تكون قادرة على توفير الوظائف وغداً لظروف طارئة لا تستطيع، ولابد للشباب من العمل مع الأجهزة الحكومية لأجل توفير الفرص الوظيفية بدلاً من الاتكالية وتجنب إلغاء اللوم على الأجهزة الحكومية لوحدها، وهذا الكلام لا يعني أن الأجهزة الحكومية ليست معنية بهذه القضية بل هي طرف فيها، ولكن القضية من مسؤولية كلا الطرفين الحكومة والشباب لا الحكومة فقط، فبدون الطرفين لا يمكن حل المشكلة، ولابد للحكومة أن تعلم الشباب كيف يصطادون الوظائف، لا أن تلقي لهم السمكة أي الوظيفة.

وقد ذكر «فريق الموالاة» كيف أن مملكة البحرين وفرت العديد من الخيارات للشباب، فالتعليم في مملكة البحرين حتى المرحلة الثانوية مجاني، كما أنها وفرت التعليم الجامعي بسعر رمزي، وخصصت البعثات والمنح الجامعية للطلبة، ومن الجانب الاقتصادي وفرت أجهزة ومؤسسات تدعم العاطلين عن العمل مثل «تمكين» التي تقوم بتمويل المشاريع والأفكار وطرح الدورات والبرامج المختلفة، ودعمت إيجاد تسهيلات لخلق فرص عمل للشباب، وكيف لهم أن يطرقوا الأبواب للحصول عليها. وفي عام 2019 الحالي قامت الحكومة بتشكيل البرنامج الوطني للتوظيف لدعم الشباب وتعليمهم كيفية اقتناص الفرص الوظيفية، وكلها خطوات تعكس جهود الحكومة في تمكين الشباب وظيفياً.

كما من الأطروحات التي قدمها «فريق الموالاة»، على الشباب أن يقوموا بحل مشاكلهم بأنفسهم لأنهم أدرى بها، ودور الحكومة تغير بسبب الظروف الراهنة ولا يمكن التعويل في كل أمور حياتنا على الحكومة، فالشباب البحريني مؤهل لحل مشكلة البطالة ولابد من مواكبة تغيرات سوق العمل وتوجه الشباب للقطاع الخاص وتوعيتهم، مستشهدين بقصة بيضة النسر التي وقعت في عش بيض الدجاج، وعندما فقس البيض تربى النسر على أنه دجاجة رغم أنه كان يرى النسور وهي تحلق ويحلم بالتحليق مثلهم، وبالرغم من أنه قادر على التحليق، فهو ليس مثل بقية من معه من الدجاج، لكنه يحتاج قبل أن يحلق إدراك أن لديه القدرة على التحليق فهو نسر، وكذلك الشباب البحريني هم نسور قادرون على التحليق في قطاعات الأعمال وخلق الوظائف لبعضهم البعض، فنسبة البطالة في مملكة البحرين حسب آخر الإحصائيات هي 4.7% وهي نسبة معقولة بالنسبة لبقية الدول، وكل دولة توجد بها بطالة ولا توجد دولة واحدة في العالم لا تعاني من هذه المشكلة، فحتى كبار الدول كأمريكا مثلاً يعاني شبابها من مشكلة البطالة.

أما «فريق المعارضة»، وهو الفريق الشبابي المؤيد لفكرة أن على الشباب أخذ زمام المبادرة في حل مشكلة البطالة عوضاً عن لوم الحكومات، والفريق الفائز بالمناسبة في المناظرة الجماهيرية والذي استطاع إقناع لجنة التحكيم بأطروحاته ومنطقه، فقد شدد على أن الحكومة هي المسؤولة أولاً وأخيراً لحل مشكلة هذا الملف، فالحكومة هي من توجد الهياكل المؤسسية والتي من خلالها تتوفر فرص العمل، وهي من توجه لدعم الشباب وتخصيص البعثات والمنح لهم وبدونها لن تخلق الفرص، فمن بإمكانه القيام بمشروعه الخاص دون إيجاد التسهيلات التي تأمر بها الحكومة في سوق العمل؟ وعلى الحكومة إيجاد الحلول الواقعية والجذرية القادرة على تطبيقها لحل مشكلة البطالة، من خلال طرح تنظيمات لسوق العمل، ووضع البنية الأساسية لكيفية الحصول على الوظائف، فالحلول الأساسية للبطالة تبدأ من الحكومة نفسها في خلق الفرص الوظيفية للشباب، ومن واجب الحكومة توظيف الأشخاص المناسبين في المواقع الوظيفية المناسبة، لأن توظيف الأشخاص غير المناسبين يعني عدم تطور العمل، مما يعني توظيف المزيد من الأشخاص غير المناسبين، كما يجب الالتفات إلى ملف بحرنة الوظائف وتوظيف الكفاءات الوطنية والرقابة على توظيف الأجانب، وإحلال العمالة الوطنية مكان الأجنبية، واعتماد سياسات اقتصادية تحافظ على التوازن الاقتصادي أمام النمو السكاني المتزايد، وإيجاد حلول للنمو السكاني في البحرين، وسن تشريعات مناسبة، ولابد للحكومة كذلك أن تعي أهمية ربط التخصصات العلمية بسوق العمل البحريني لتوفير وظائف في القطاعين الخاص والحكومي، إلى جانب توفير التعليم والتدريب المستمر للشباب والتطور الوظيفي، وإعطاء الشباب مهارات طويلة الأجل حتى يتمكنوا من الحصول على وظائف لهم في الصناعات النامية، فهناك صناعات الآن تبدأ على المستوى العالمي، ولابد أن تواكب الحكومة البحرينية هذه التغيرات الحاصلة مع مراعاة جذب الاستثمارات الخارجية، إلى جانب أهمية أن تؤمن بقدرات الشباب البحريني وتمنحهم الفرص اللازمة، لأن هناك شواهد تحكي أنه لايزال هناك عدم إيمان بقدرات وإمكانيات الشاب البحريني، فوجود شباب عاطل عن العمل يعني تشكيل عصابات إجرامية وانخراط الشباب في سلوكيات وأعمال تدمر المجتمع.

وجدنا أن تداول هذه القضية الشائكة والأفكار والرؤى التي طرحت، وهي فوق الممتازة، من المهم أن تصل إلى الشباب، خاصة أولئك الذين يملكون نظرة سطحية وضيقة جداً عن مسألة كيفية الحصول على الوظائف، فينبغي أن نعترف أن هناك اتكالية موجودة لدى بعض شرائح الشباب، وقناعات خاطئة بأن الوظيفة هي من مسؤولية الحكومة أولاً وأخيراً، وأنه فور تخرجه من الجامعة يجب أن تكون الوظيفة متوافرة له، وبالمناسبة يجب أن تكون الوظيفة مريحة وذات دخل مرتفع، وهناك من يود القفز والوصول إلى أعلى المراتب الوظيفية خلال سنين بسيطة دون مراعاة لأن يوفر لنفسه خبرة تشفع لتوظيفه وأهمية التدرج الوظيفي، كما أن هناك شباباً غافلاً عن أهمية أن «يحرك» نفسه قليلاً ويكتشف ذاته ومهاراته ونقاط قوته وضعفه لتحديد بوصلة مستقبله الوظيفي بالأصل، فهناك شباب تتوافر لديهم إمكانيات ومهارات وقدرات حرفية قد تؤهلهم لمستقبل مشرق وناجح أكثر من الوظيفة الحكومية العادية التي يطمح لها، فمن المهم اكتشاف هذه البوصلة لتحديد مسارك الأكاديمي المستقبلي، ولتكون مثل الخارطة الإرشادية لبناء مستقبلك الوظيفي، وتحديد المسار يبدأ من المدرسة وجزء منه من مسؤولية الحكومة والبيئة المدرسية التي عليها أن تضيء للشباب والشابات نور المعرفة وتساعدهم في اكتشاف ميولهم والتخصصات التي تتناسب مع مؤهلاتهم وإمكانياتهم، مع مراعاة أن تكون هذه التخصصات مطلوبة في سوق العمل لا أن يكون فيها تشبع، بحيث يكون الطالب والطالبة قادرين على معرفة مسارات التخصصات المناسبة التي سيدرسونها في الجامعات والتي تحمل مستقبلاً لهم في قطاعات الأعمال.

كنا قد طرحنا خلال المناظرة أهمية التفكير من خارج الصندوق ومن زاوية أبعد وأشمل من مسألة هل البطالة من مسؤولية الشباب أو الحكومة، بأهمية مراعاة الدورة الطبيعية للوظائف والتي تعني أن هناك وظائف تولد صغيرة ثم تنمو وتزدهر وتصبح الأكثر طلباً في أسواق العمل ثم تتراجع وتتلاشى وتنتهي وقد تموت قبل رمي الكرة في ملعب الجانب الحكومي أو الشبابي، فأسواق العمل المحلية والعالمية في تغيير مستمر أمام التطورات التقنية والتكنولوجية الحاصلة، وهناك وظائف انتهت تماماً من الوجود في زمننا الحالي، كما أن هناك وظائف في طريقها إلى الانتهاء، فوظيفة ساعي البريد مثلاً وإرسال الرسائل البريدية هي في طريقها للانقراض والاقتصار على نوعية معينة من المراسلات أمام المراسلات الإلكترونية التي لا تأخذ أكثر من ثوانٍ معدودة، وصحافة المجلات والصحافة الورقية عل ى سبيل المثال أيضاً في طريقها للانقراض والتقلص، بعد أن كانت لها أيامها الذهبية، وبعد أن كان الصحافي العامل في صحافة المجلات هو الأعلى أجراً والأكثر شهرة في زمن كان الناس لا يمتلكون خياراً للمطالعة الترفيهية غير المجلات، فيما اليوم صحافة مواقع التواصل الاجتماعي وصحافة المحمول هي من استحوذت على اهتمام الناس في كل مكان في هذا العالم، والوظائف اليوم التي تعد في المرتبة الأولى من الممكن في الغد القريب أن تتراجع وتنتهي أيضاً؛ لذا فالفراسة واستبصار المستقبل القادم ودراسة خيارات سوق العمل القادمة من الأمور المهمة لكل شاب وشابة عند تحديد مستقبلهم الوظيفي.

نذكر على المستوى الشخصي، أننا ونحن على عتبات التخرج من المدرسة كانوا يخبروننا أنه لا يوجد مستقبل لمن سيقوم بدراسة الإعلام على سبيل المثال، لأن هناك تشبعاً في خريجي هذا التخصص في سوق العمل، وكانت هناك العديد من النصائح التي تطالبنا بدراسة تخصصات أخرى وتجنب الإعلام، وهناك من زميلات الدراسة من تخصصت في تخصصات تربوية والعلوم الاجتماعية كي تتخرج وتحصل على وظيفة مضمونة في التربية، فجاء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله ورعاه وفُتحت العديد من المؤسسات التي كانت تحتاج لموظفين في العلاقات العامة والإعلام، بل إن تخصص الإعلام نفسه قد قسم إلى أربعة تخصصات رئيسة، وكان لنا ما أردنا، فقد تخصصنا في دراسة الصحافة، وأمام افتتاح أكثر من أربع جرائد يومية وأسبوعية أصبح حتى الطالب الذي يدرس في تخصص الصحافة مطلوباً وتعرض عليه وظائف عمل قبل أن يتخرج، فيما العكس حصل مع من قمن بدراسة تخصصات العلوم الاجتماعية والتخصصات التربوية، حيث بعد تخرجهن وجدن أنفسهم عاطلات أمام تشبع سوق العمل من هذه الوظائف!

وهذا يعني أهمية الحاجة إلى مطالعة ما التخصصات التي ستكون مطلوبة خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة لا خلال فترة دراستك الأكاديمية، وبالطبع هذا ليس من مسؤولية الشباب البحريني لوحدهم بل أيضاً من مسؤولية الجانب الحكومي في توعيتهم ومنحهم المعلومات اللازمة، خاصة وأن القوانين والتغييرات المؤسسية الحاصلة بيد الحكومة لا الشباب.

وقد نتفق مع فريق الموالاة في المناظرة الجماهيرية التي تمت في مسألة أن حل مشكلة البطالة تقع على كلا الطرفين الحكومة والشباب، ولكن هناك أيضاً مسألة مهمة جداً وهي أن الشاب حتى لو حصل على فرصة عمل ووظيفة مناسبة إن لم يتطور وإن لم يسعَ لمواكبة التغيرات الحاصلة وامتلاك المهارات التي فرضت نفسها في أسواق العمل، فانه سيقف في مكانه ولن يتقدم وظيفياً، فاليوم مثلاً الجاهل باستخدام الإنترنت يعتبر «أمياً» وجاهلاً على المستوى العالمي، وفي الغد القريب قد يعتبر من لا يجيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أمياً وجاهلاً كذلك، ففي مملكة البحرين مثلاً معظم الشباب يطمح أن يلتحق بوظيفة «ضابط شرطة»، فيما الفتيات عادة ينشدن إما وظيفة معلمة أو وظيفة مكتبية مريحة، وحتى هذه النظرة التقليدية يجب أن تتغير، فقد عفى عنها الزمن وولى، وحتى هذه الوظائف اليوم إن لم يتطور الشاب والشابة فيهما ويتقنان مهارات عديدة تتعلق بمسائل الاتصال الإلكتروني والتواصل والعمل الإلكتروني فهم سيكونون بمثابة الشخص غير المتطور والرجعي الذي لا يواكب التغيير العالمي الحاصل ولا يعرف ما الذي يجري من حوله.

والأهم هنا، لا أن تحصل على وظيفة بقدر ما أن تتطور من خلالها كي تصل إلى أهدافك وطموحاتك الوظيفية وتتقدم وظيفياً، والأكثر أهمية، كيف تكون مرغوباً لدى أطراف التوظيف وتسوق لنفسك، فالكثير من الشباب حصلوا على وظائفهم من خلال الأعمال التطوعية أو بسبب مشاركاتهم وتعاونهم مع بعض المؤسسات والجهات، وهناك من الشباب من درس تخصصاً جامعياً ما والتحق بعدة دورات في التصميم والتصوير مثلاً وحصل على وظيفة في هذه المجالات بدلاً من مجال دراسته الأكاديمي.

وكما ذكرت إحدى المشاركات في المناظرة أنها كانت عاطلة عن العمل وحصلت على وظيفتها الحالي من خلال عمل تطوعي شاركت به، حيث عرضت عليها الوظيفة بعد ذلك العمل لتمكنها من إثبات نفسها ولفت أنظار المسؤولين إليها. الشاب والشابة اليوم مطالبون بتطوير مهاراتهم والتحرك على استغلال نقاط القوة لديهم في تسويق أنفسهم ليتمكنوا من إقناع أرباب العمل بكفاءاتهم وأنهم يستحقون التوظيف، وبالمقابل لابد أن يكون هناك تشديد رقابي على أرباب العمل بتوظيف الكفاءات البحرينية ومنح الشباب الفرص الوظيفية.

أيضاً من المسائل الهامة للغاية فيما يخص ملف التوظيف، أهمية الابتعاد عن النظرة التقليدية للوظائف وفتح آفاق للتفكير، فهناك وظائف اليوم انطلقت منها تخصصات دقيقة، وقد باتت في المطلوبة في سوق العمل أكثر من التخصصات الرئيسة، فمثلاً مجال العمل في الطب العام تراجع أمام وجود تخصصات طبية دقيقة متخصصة في كافة الأمراض والعلاجات، وكذلك الحال في مجال الهندسة، فلم يعد مسمى «مهندس» على سبيل المثال مرغوباً لدى أرباب العمل بقدر ما بات مهندس الديكور أو المهندس التقني المتخصص هو الخيار الأول للتوظيف، كما أن هناك وظائف حرفية تدر مدخولاً شهرياً ما يعادل رواتب سنة كاملة من الوظائف التقليدية الاعتيادية، وهناك أشخاص هم من خلقوا وظائف لأنفسهم وافتتحوا مؤسسات وشركات ساهمت في توظيف أقرانهم من الشباب، فاليوم نحن في زمن أنت من تخلق وظيفة فيه لنفسك، وهناك العديد من الشباب العاطلين من تحولوا بين ليلة وضحاها إلى رواد أعمال كبار وناجحين من خلال اتجاههم للتجارة الإلكترونية أو تسويق المنتجات وافتتاح مشاريع تجارية يحتاجها سوق مملكة البحرين.

وعلينا أيضاً أن نفضي إلى واقع أنه حتى الشاب والشابة عندما يحصلون على فرصة عمل مناسبة فإنه من المحال أن يكتفوا بوظيفتهم الرسمية، فهناك شباب مبدع قد يعمل في مجال الطب لكنه يمتلك مهارات حرفية في التصميم والمونتاج يتمكن من خلالها من إيجاد مدخول مالي ممتاز له أفضل من مدخوله في وظيفته الأساسية، وهناك التي تعمل في المجال الحقوقي لكن لديها مهارة تصميم المجوهرات أو الأزياء مثلاً وتمكنت من النجاح وتحقيق شهرة واسعة لها على المستوى الخليجي من خلال هذا التخصص التجاري أكثر من تخصصها العملي الأساسي، فالمهم ألا يقف الشباب عند طموح معين وأن يدركوا أين تكمن مهاراتهم ومجالات إبداعاتهم لينطلقوا محلقين في أسواق العمل. وكما ذكر وزير الشباب والرياضة في مداخلته عندما استحضر كلمة جلالة الملك حفظه الله ورعاه بالقول «البحريني من أهل الذهب» وفعلاً شبابنا من أهل الذهب وهم قادرون على إيجاد وظائف ومداخيل من ذهب فيما لو ركزوا على التخصصات الابداعية والحرفية التي تدر عليهم ذهباً.