لعل من الموضوعية أن نذكر أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حقق لبلاده في المفاوضات النووية طوال سنتين الاتفاق النووي الإيراني المشين للجميع باستثناء طهران، لضعف الطرف الآخر. لكن عمل الدبلوماسيين في الأزمات يتعدى امتطاء دبلوماسية حافة الهاوية التي يمتشقها ظريف كلما جلس مع المفاوض الغربي، بل تشجيع الحوار والتوصل إلى حلول توافقية وتسوية التوترات بالوسائل السلمية. فالمهمة الأساسية لظريف هي بالانتقال بتوجهات بلده من ثقافة رد الفعل على العقوبات إلى ثقافة الوقاية من العقوبات بعدم اقترافها، وبالتوقف عن خلق الأزمات في محيطه الإقليمي كتشجيع كيانات ذيلية متوحشة كالحشد الشعبي والحوثيين وحزب الله، أو باستمرار أزمة عدم حسم خلافات الجرف القاري مع الكويت، أو التوقف عن خطف البحارة الذين وصلوا حتى الآن لـ50 شخصاً من الخليج ضاعوا في البحر ووقعوا في يد الحرس الثوري.

لكن كياسة ظريف لم يرد عليها بأجمل منها من الإدارة الأمريكية التي ورثت ما أنجزه الرئيس السابق باراك أوباما، فقد قررت واشنطن بقيادة الرئيس ترامب -بطل تقويض المعاهدات- وعبر وزارة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات تشمل تجميد أي أصول لظريف في أمريكا، مما يعني تجميد حتى شنطة سفرة لو دخل بها هيلتون أو شيراتون أو أي كيانات أمريكية أخرى، مما يعني انتهاء صلاحية ظريف، فما جدوى وزير خارجية لا يسافر، مادام قاب قوسين من أمر إلقاء القبض عليه!

إن كل ما سبق أعلاه هو تأسيس لتفسير دوافع جولات ظريف الدبلوماسية خلال شهر أغسطس 2019، فجولات الوزير الإيراني المكوكية في الإقليم وخارجه رغم العقوبات عليه لم تكن لتقديم أوراق اعتماد جديدة، فأفكاره ومقترحاته بمعاهدات عدم اعتداء معروفة في الدوحة التي زارها، وهي معروفة في دولة الكويت التي زارها ولم يقابل فيها الشيخ صباح، بل هي معروفة أيضاً لأعضاء قمة الدول السبع بما فيهم الرئيس الأمريكي ترامب الذي صرح بعد وصول ظريف قائلاً «نحن لا نسعى إلى تغيير النظام الإيراني» بمعني نحن قادرون على تغييره، فلماذا حطت طائرته في بياريتز الفرنسية حيث تعقد القمة؟!

في تقديرنا أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف استنفذ ما في جعبته من الأدوات الإيرانية في مجال العلاقات الدولية، وكانت زياراته المكثفة لدول المنطقة ولفرنسا هي لإرساء أجواء إيجابية لحل الأزمة الإيرانية - الأمريكية، فالحصول على أي شيء في أغسطس يعد مكسباً للدبلوماسية الإيرانية، حتى ولو كان تصريحاً إيجابياً من دول الخليج العربي أو من الغرب. لقد كان ظريف يمارس «دبلوماسية اقتناص التصريحات الإيجابية»، لخلق إيحاء للداخل الإيراني قبل العالم الخارجي أن الأمور ليست بالسوء الذي تبدو عليه في الإعلام وفي الشارع الإيراني.

* بالعجمي الفصيح:

إن صيغة بنود اتفاق يوقع في غرفة عابقة بدخان سيجار مندوبي دول قوية، يساوي في أثره وقف إطلاق نار قسري تحت دخان مدفعية منتصرة في ساحات القتال، أما دبلوماسية اصطياد التصريحات الإيجابية فليست ثالثهما.

* كاتب وأكاديمي كويتي