* ليس من عادتنا أن نبارك بحلول العام الهجري الجديد، ولكن هناك من بادر للتهاني والتبريكات والتمنيات الخالصة بأن يكون عاماً حياتياً مليئاً بالخير والسعادة والبركات.. جميل جداً أن يكون للعام الهجري مساحة كبيرة في حياتنا، وأن نعتبره صفحة جديدة من حياتنا بعد أن أنهينا كتابة فصل كامل من عام 1440هـ.. تصدقون مازلت غير متصور كيف مضت أحداث العام الهجري الماضي بهذه السرعة، وكيف تصرمت أيامه.. وكل لحظة فيه وكل موقف وكل الأحداث التي مرت كأنها وميض خاطف.. أو سحابة صيف مرت.. أو حلم عابر أتى في ليلة ما ثم تلاشت ملامحه.. ولكن بقيت ذكراه في النفس إلى الأبد.. عندما يحل العام الجديد علينا ونحن نلتقط الأنفاس أن نرفع الأيادي شكراً وحمداً لله تعالى بأن أبقانا في أيام أخرى جديدة من حياتنا نجد في السير ونجتهد في العمل ونقتنص الفرص لزيادة الأجور، والمبادرة للمزيد من الأثر في دنيا البشر من أجل محو أي صورة سلبية من حياتنا، وسد ثغرات كثيرة كنا نظنها عادية جداً.. ولكن وجدناها فيما بعد ثغرات مميتة جعلت نفوسنا تعشق العيش المرفه وحياة الدعة، وتعشق الغفلة والسرحان.. فانتبهنا للذكر والتسبيح والدعاء والقيام وقراءة القرآن والصدقة وصلة الأرحام وغيرها من العبادات.. هو عام جديد بحلة جديدة.. فيا رب البيت.. اجعله عام خير وبركة وسعادة وزيادة خير في حياتنا، وارفع قدرنا في الدارين يا كريم يا منان.

* مع بداية عام جديد ما رأيك أن تكتب في بداية سطور حكاية عام 1441هـ تلك الكلمات النبوية الخالدة التي تزيل همك في الدنيا والآخرة وترفع ذكرك عند المولى الكريم.. وتكون لسان حالك في كل حين.. فعن أبي بن كعب قال: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم اجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت». قال: قلت: الربع. قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قلت: النصف. قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك». قلت: فالثلثين. قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قلت: أجعل لك صلاتي كلها. قال: «إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك». وفي رواية: «إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك». لنحرص على هذه الوصية النبوية الجميلة التي تكفيك ما أهمك من أمر الدارين.. اللهم اجعلنا ممن يكثرون الصلاة والسلام على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

* تتحرك في نفسك مشاعر الفرح وتتذكر حينها بعض الذكريات الجميلة التي جمعتك مع من تحب.. والتي كان لها الوقع الجميل في حياتك.. وبخاصة من أصحاب الفضل من بعد فضل الله تعالى، والذين كان لشخصياتهم وتعاملهم اللطيف وكلماتهم الحنونة الأثر على نفسك والتي ظلت أنوارها مشعة في حياتك حتى أنفاس هذه اللحظات.. جالت في نفسي هذه الكلمات وسعدت أينما سعادة بسطور جميلة أرسلها أحد المعلمين بعد مقال الأسبوع الماضي.. وهو أحد المعلمين ممن أعتز بهم، والذي كان أثره في حياتي كبيراً وصاحبته في صولات وجولات حياتية.. يقول فيها: «ما شاء الله على مقالاتك يا بدر، طفت بنا حول كوب الحياة المليء والزاخر بالتجارب والمفارقات وتعدد النوايا والشخصيات وقطفت لنا أجود الثمار وأحلى الأمنيات ونقلت لنا أفضل التجارب، وأهديتنا خلاصة مشاعرك الجياشة في زهرية قطفت زهورها من داخل نفسك الكريمة لنستمتع بعبيرها.. جزاك الله خيراً ووفقك لكل خير». وقفت بعدها عاجزاً عن كتابة أي سطور رد على هذه السطور الجميلة.. لأني ببساطة جديدة صاحبها شخصية تجذبك بعبيرها الزاكي وبطيبتها وتواصلها ورقيها وأثرها الجميل الذي مازال أثره بائناً.. أيقنت حينها أن المشاعر هي من تخاطب النفوس.. وهي من تصنع الفارق في حياتنا.. وبخاصة عندما نبتعد عن تجاذبات السياسة والتذمر والشكوى والنقد الهدام.. الحاجة الأولى هي المشاعر التي تدفعك للخير.. وهي من تستطيع أن تحاكي فيها كل النفوس التي تحبها.. وتستطيع أن تؤثر في نفوس قد لا تعرفها.. وتكتشف بعد أن تقابلك يوماً ما وتخبرك أنها قد تأثرت وأثرت بكلمات بسيطة لم تخطر على بالك يوماً أنها ستؤتي ثمارها اليانعة.. ولكنه الأثر الذي يبقى أولاً وأخيراً سواء بكلمة أو ابتسامة أو موقف عابر.. تحياتي المعطرة لمعلمي العزيز.. أخجلتني بكلمات لا أستحقها.. ولكني كتبتها هنا.. ليخلدها الزمان.. ويبقى أثرها في نفسي أولاً قبل الآخرين.. بارك الله في عمرك وزادك من فضله.

* أروع صفحة تكتبها تلك التي تصنع فيها سعادة وفرحة في نفس محب وصديق لك اعتاد أن يمارس الدور نفسه في حياتك، واعتاد أن يرسل لك هدية رمزية تبقى في ذاكرتك طويلاً.. من الضرورة بمكان أن تلعب هذا الدور بين الفينة والأخرى، حتى تجدد نفسك وتجدد أواصر المحبة مع من تحب.. «تهادوا تحابوا» كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.. مثل هذه القيم اعتاد البعض أن يبخل بها بصورة أو بأخرى، ولم يعرف أن مثل هذه الصفحات المتجددة إنما تصنع بها أثراً خالداً في نفوس الغير.. فلا تدري فلعل دعوة جميلة من صاحبك أو محبك تكشف عنك كربة أو تزيل عنك هماً أو ترفع قدرك عند رب الأرباب..

* نحتاج بين الفينة والأخرى العديد من المراجعات الحياتية التي يجب أن تكون محور اهتمامنا في قطار الحياة المتسارع.. وأهم المراجعات هو ما يتعلق بالنفس وقدرتها على أن تكون مثل الخيل المضمرة القادرة على الوصول إلى خط نهاية السباق بنجاح.. العديد من الفرص التي مضت خسرناها بلمح البصر دون أن نحس بها.. والسبب أن نفوسنا قد اعتادت أن ترى الأمور بمنظارها القاصر الخاسر في أحيان كثيرة، والذي يرى الأمور بمنظور الانتصار النفسي والتخطيط الدنيوي الزائل.. قد يكون ذلك التخطيط من الأمور المهمة البديهية بطبيعة الحال، ولكن أن نمد فيه البصر إلى الآفاق البعيدة، ونبالغ في كتابة سطوره.. فذلك لعمري قد يودي بنا إلى مهاوي الخسران والعياذ بالله.. فقد نخسر أوقات عبادتنا، وأوقات علاقاتنا مع الأحباب، وأوقات أعمال الخير التي اعتدنا أن تكون من صميم أعمال حياتنا.. أحلام الدنيا العابرة كما نسميها تعطينا ذلك النفس الطويل الذي يجب أن يكون حاضر الذهن والبصيرة في كل حين.. فتكون الفزعة حينها في كل لحظة لكل خير ولكل سعادة ولكل بشائر الجنان.. فيا رب بلغنا الفردوس الأعلى مع من نحب.

* ومضة أمل:

يقول الله تعالى: «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين».