تضييق الخناق على «حزب إيران في لبنان» بالعمل على حرمانه من بعض مصادره المالية والذي تقوده الولايات المتحدة وتوليه اهتماماً ظاهراً أمر مطلوب وطيب لكن الواقع يقول بأن هذا لا يمكن أن يؤثر فيه بالشكل الذي ربما تتمناه ويتمناه كل من يتخذ موقفا من هذا الحزب ومن النظام الإيراني. هذه الحقيقة ينبغي وضعها في الحسبان عند الحديث عن العلاقة بين هذا الحزب والنظام الإيراني وعند الحديث عن التضييق على مصادره المالية.

وهناك حقيقة أخرى ينبغي عدم نسيانها هي أن النظام الإيراني يقبل أن يجوع الشعب الإيراني كله ولا مانع لديه من جعله يتأخر عن ركب الحضارة سنين إضافية لكنه لا يقبل على حزبه في لبنان، فيوفر له احتياجاته كلها بطرق التوائية أثبت خلال الأربعين سنة الماضية أنه خبير فيها وضليع.

ما تقوم به الولايات المتحدة يمكن أن يزعج النظام الإيراني وحزبه في لبنان لكنه لا يقلقهما ولا يقلق أتباعهما والمصفقين لهما. كان نصر الله قد قال في إحدى خطبه التي اعترف فيها بأن النظام الإيراني هو مؤسس هذا الحزب ومموله إن الأموال تصله من إيران «بطرق لا يمكن حتى للجن الأزرق أن يكتشفها» وإن «هذا ظل يحدث منذ تأسيس الحزب وفي كل الظروف».

التضييق على الحزب عمل لا ينتج مفيداً كالذي ربما تتوقعه الولايات المتحدة، التضييق على النظام الإيراني هو الذي يمكن أن ينفع في مثل هذه الحالة. ومن التضييق توريطه في حرب تأكل أخضره ويابسه. لكن لأن النظام الإيراني براجماتي لذا فإنه لا يسمح بذلك وببساطة يمكن أن يعقد صفقة مع ترامب الذي يحب عقد الصفقات ويعتبر نفسه متخصصاً فيها كونه رجل أعمال. والدليل هو كثرة تصريحاته ودعواته لروحاني ليلتقيا في نيويورك هذا الشهر.

هذا يعني أن من الحقائق التي يمكن إضافتها إلى ملف التضييق على حزب إيران في لبنان وعلى النظام الإيراني حقيقة أن احتمال عقد صفقة بين الطرفين واردة في كل حين، وأي صفقة بين أمريكا وإيران من الطبيعي أن تزيل كل صعوبات قد يواجهها النظام الإيراني حالياً أو يتوقع أن يواجهها بسبب خطة التضييق على مصادره المالية. وهذا يعني في وجهه الآخر استمرار عمل حزبه في لبنان وربما بأريحية لم يسبق لها مثيل.

علاقات دولنا الخليجية مع الولايات المتحدة قوية ومميزة، لكن هذا لا يمنع ترامب من عقد ما يشاء من صفقات، فهو ضد إيران طالما أن النظام الإيراني متعنت، لكنه سيكون معها من دون تردد لو حصل على استجابة من الملالي وكل أو بعض ما يريد في هذه المرحلة.

عقد صفقة بين الولايات المتحدة وإيران في عهد الملالي واردة، وهي واردة اليوم أكثر بسبب قرب انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة وحاجة ترامب إلى تحقيق ما يدعم به ترشحه والحزب الجمهوري. لن تقف في وجه ترامب والولايات المتحدة اتفاقات ومعاهدات ووعود، فالمصلحة أولى، ولن تقف في وجه النظام الإيراني اتفاقات وشعارات ومبادئ ظل يقول إنه يدافع عنها، فالمصلحة أولى، ومصلحة الولايات المتحدة والنظام الإيراني اليوم هي في عقد صفقة بينهما، سواء عقد اللقاء بين ترامب وروحاني والذي صار الحديث عنه يملأ الأجواء في نيويورك أو عقد سراً في مكان ما، أو لم يعقد، فالمؤشرات تعين على القول بأن أمراً ما يتم الإعداد له وأن مرحلة التضييق على النظام الإيراني وعلى مصادر حزبه في لبنان ستنتهي، وهذا يعني أن المنطقة مقبلة على تدخل سافر للنظام الإيراني لو أن دول مجلس التعاون لم تقدم على عمل شيء يوفر لها ولشعوبها الاطمئنان.