مؤخراً، مجلس النواب قدم مقترحاً بشأن ظاهرة «هروب العمالة»، والحل الذي اقترحوه باختصار هو إلزام العامل بدفع «مبلغ تأميني» يغطي نفقات ترحيله، وذلك حتى لا يستمر الوضع الحالي القاضي بإلزام المستخدم «صاحب الفيزا» بدفع تكاليف ترحيله، حتى لو مضى على هروب هذا العامل سنوات وسنوات.

أجزم بأن كثيرين تعرضوا لحالات هروب للعمالة من عندهم، سواء أكانوا خدماً في المنازل، أو عمالاً بمختلف تخصصاتهم سواء بائعين في محلات أو في الإنشاءات وغيرها، وبعضكم قد يكون مازال ينتظر اتصالاً يخبره بأنه تم القبض على مستخدمه الهارب.

لكن كثيرين ممن نجحت الأجهزة المعنية في عملية ضبط العمالة الهاربة المسجلة عليهم، واجهوا موقفاً واحداً يتمثل أولاً بإبلاغهم أنه تم العثور على العامل أو الخادمة الهاربين، وأن عليه «الآن» القدوم للتوقيع على الأوراق المعنية، و«شراء تذكرة سفر» لهم حتى يتم ترحيلهم لبلدانهم!

هذا واقع يحصل، وأحياناً تجد أن العامل الهارب قبل أن يتم القبض عليه، يلجأ إلى سفارة بلده، وهنا المسألة «تتعقد» أكثر، فالسفارة أياً كانت الدولة ملزمة بمتابعة مصالح رعاياها، وبالتالي قد تتلقى اتصالاً من السفارة هذه أو تلك يبلغونك فيها بأن العامل موجود لديهم، وأن عليك «شراء تذكرة سفر» لترحيله!

هل قام بعضكم بشراء التذكرة المطلوبة لترحيل العامل الهارب منه؟! وهل رفض بعضكم القيام بذلك؟! وقال للسفارة بأنه غير ملزم بصرف دينار واحد على عامل هارب، الله العالم ماذا فعل في فترة هروبه؟!

قد يكون بعضكم فعل ذلك، فقط لشراء «دماغه»، وبعضكم قد يكون «صاحب نفس طويل» فقال لهم «افعلوا ما يحلو لكم»؟! لكن المهم في الموضوع يتعلق بـ«الآلية» التي يجب أن تعتمد أو تطبق هنا، بحيث يكون الإجراء واحداً، والأهم يكون إجراء «تحترمه» السفارات دون أن تحاول تجاوزه.

هل أتفق مع اقتراح مجلس النواب في هذا الخصوص؟! سأقول بأنه اقتراح جيد، لكنني أرى الحل «غير صحيح»، إذ دفع العامل قبل مقدمه لمبلغ تأميني على اعتبار فرضية «هروبه» ليس هو الحل إطلاقاً، لأن هذه المسألة بحد ذاتها قد تقود لعمليات «إتجار بالبشر» لدى من يوفرون العمالة، فيها يتم ابتزاز العمالة أنفسهم، بالتالي عملية الهروب تكون مغرية بالنسبة لهم لتحقيق أموال أكثر من نشاطات مختلفة، في حين هي لا تفرض «إلزامية» على جهات رسمية بإمكانها العمل على حل المشكلة، كالسفارات مثلاً، وسأشرح فكرتي لاحقاً.

لكن هنا سأشارك بتجربة شخصية مررت بها قبل قرابة 15 عاماً، إذ كنت في مدينة حمد وتلقيت اتصالاً من مركز شرطة المحرق يفيد بأن دورية رأت خادمة تهرب من المنزل، وتحصلت على أوراقها بعد هروبها وفيها ما يبين بأنني كفيلها، ذهبت للمركز لتسجيل البلاغ، وأبلغوني بأن الدورية شكت فيها، وحينما التفوا في الطريق المقابل كانت هربت لكن بعض متعلقاتها سقطت منها.

طبعاً مرت سنوات وسنوات، ولا أبالغ إن قلت 6 أعوام، عندما تلقيت اتصالاً من إحدى الجهات الرسمية المعنية، يبلغوني فيه بأنهم وجدوا الخادمة الهاربة، وأنها في سفارة بلادها الآن، وهم يطلبون شرائي لتذكرة سفر لها حتى يتم ترحيلها.

أجبتهم بأنني لن أدفع، وعلى السفارة احترام قانون البلد عبر تسليمها للأجهزة الأمنية، لأنني أريد معرفة ماذا فعلت طوال هذه السنوات، ومن كان وراء عملية هروبها، وكيف استغلها، لأن كثيراً من حالات هروب الخادمات مرتبطة بشبكات تستغلهم في الدعارة. وطلبت أن ينقل الموظف الذي هاتفني هذا الكلام للمسؤولين في السفارة، وإن كانوا يريدون النقاش معي فهذا رقم هاتفي.

بعد نصف ساعة تلقيت اتصالاً من نفس الشخص يفيدني بأن السفارة تعقيباً على كلامي أخبروهم بأنهم سيتكفلون هم بالتذكرة، وبالتالي كأن الموضوع لم يتم، وانتهت القصة!

لم أكن سعيداً بما حدث، فالحادثة لها أبعادها المقلقة، فإن كانت العمالة الهاربة تختفي لتستغل في أعمال غير قانونية، وعند ضبطها تسعى السفارات لترحيلها بطريقة تشابه تهريب مجرم مطلوب للعدالة، فإننا أمام مشكلة لا يحلها «مبلغ تأميني» ولا أية ضمانات سابقة.

وهنا في رأيي يكون الحل عبر اتفاقيات توقع بين الجهات الرسمية لدينا في البلد، وبين السفارات التي يكثر استقدام العمالة من بلدانها، تلزم فيه السفارات بتسليم الهاربين لو لجؤوا إليها ليحقق في وضعهم، وإن ارتكبوا جرماً أو شاركوا في ممارسات خارجة على القانون فإن القانون لابد من تطبيقه عليهم، وأيضاً تلزم السفارات بعدها بدفع مبالغ لترحيلهم، فصاحب العمل لاذنب له، ولا يجب أن ترجعوا له بعد سنوات من «هياتة» العامل الهارب في الشوارع، والله العالم ماذا «فعل وهبب» في بلادنا!