مازلت أتذكر ذلك اليوم، وتحديداً الذي نمنا فيه ليلته السابقة، وصحونا في صبيحته لنتفاجأ بأن «جسراً» من «طابوق وإسمنت وحديد» قد شيد في أقل من 10 ساعات.

كان في 31 يناير 2014، وتم تشييد الجسر الذي طوله 400 قدم في وقت قياسي على مستوى الشرق الأوسط، ويربط بين منطقة الجفير وتحديداً واجهتها البحرية مع القاعدة الأمريكية.

كلفة الجسر قدرت بـ 8 ملايين دولار، وتفاجأ به الناس وكانت تعليقاتهم مليئة بالدهشة والاستغراب، فتشييد الجسور والمباني وحتى تعديل الشوارع لدينا من الاستحالة أن يتم في 10 ساعات، ولا حتى 10 أشهر!

تذكرت هذا الحدث الفارق والسبب استياء غير مسبوق وصلني بالأمس من عدد كبير من المواطنين بسبب الزحمة غير الطبيعية التي ضربت شوارع المنطقة التعليمية في مدينة عيسى، وذلك عائد لأعمال توسعة الشارع الممتد من بداية تقاطع الاستقلال حتى الإشارات الضوئية التي تصل بالشارع المؤدي لستاد البحرين الوطني والشارع الآخر المتجه إلى عالي.

وهنا سأقول «نعم» أعرف تماماً بأن أعمال الإنشاءات هذه مرتبطة بمشروع توسعة لهذه المنطقة وشوارعها وامتداداتها التي تصل لشارع خليفة بن سلمان، وأن إنجار هذا المشروع سيساهم في تخفيف الازدحامات المرورية والاختناقات وسيسهل على الناس، سيخفف ولكن طبعاً بعد إنجاز المشروع الذي سيستغرق ردحاً من الزمن، ومن تجربتنا للأسف كبحرينيين مع هكذا مشاريع فإننا نجزم بأن المدى الزمني سيطول عما هو معلن عنه.

رجعت للتصريح الرسمي الذي يعلن بدء العمل في هذا المشروع، وتبين بأنها «المرحلة الأولى»، أي أن هناك مراحل أخرى، فحجم المشروع يكلف 23 مليون دينار، وفيه تفاصيل دقيقة وعمل كثير متفرع، ما يعني أن توقع إنجازه بشكل سريع سيكون أمراً غير واقعي.

سيأخذ المشروع وقته الزمني، ما يعني أن الحالة التي مر بها الناس يوم أمس ستتكرر كل يوم، ما يعني أن موجة الانتقادات ستكون عالية، والاستياء سيستمر لأن كل البشر الذي سيسلكون هذه الطرق سيتعطلون إما في توصيل أبنائهم أو الوصول لأعمالهم، ما يعني أيضاً بأن الإدارة العامة للمرور سيتطلب منها وضع كتيبة من رجال المرور لتنظيم عملية السير، خاصة وأنه مع هذه الاختناقات سنجد «انحداراً» في أخلاقيات السياقة و»تجاوزات» في عمليات القفز من حارة إلى أخرى بالنسبة للسيارات، وهنا لن يلام الناس.

فقط أتمعن في الإعلان عن الخبر وتحديد موعد بدء المرحلة الأولى من المشروع، والتي يتضح بأنها تصادف فترة بدء عام دراسي جديد، وعودة الطلبة لمدارسهم، ما يعني أنك لم تستثمر وقت الإجازة الصيفية للبدء أقلها في المرحلة الأولى ومحاولة تنفيذ أكبر قدر منها بما يضمن عدم تأثر الناس عندما يبدأ موسم المدارس. كانت فرصة طوال 3 شهور بتكثيف العمل على مدار 24 ساعة لإنجاز جزء كبير من العمل، نتائجه كانت ستظهر اليوم عبر تقليل حدة الاستياء لدى الناس، وتحفيف حجم «الاختناقات المرورية» الناتجة جراء العمل.

قد يكون الرد على ما أقوله سهلا لدى الجهة المعنية، العملية قد تكون مرتبطة بتوفير التمويل، أو اعتماد المناقصات، أو أية استعدادات مطلوبة للتنفيذ، وهنا لا خلاف لدي سوى أمر واحد معني بـ»التوقيت»، إذ اختيار الوقت المناسب لتنفيذ أمور تؤثر على الناس بشكل مباشر هو «الفيصل» الذي سيحدد مزاج الناس بشأن ما تبذله القطاعات من جهود، سواء أكان بالشكر والتقدير، أو في المقابل بالذم والاستياء.

أدرك تماما بأن النوايا طيبة، وأن اجتهاد الجهات المسؤولة يصب في سبيل تحقيق الأفضل للناس، لكن عملية «استقراء» ردود فعل الناس بشأن كافة الخطوات أمر مطلوب، فلو تم التنفيذ في وقت الإجازة ألم يكن ذلك أفضل؟! نعم بالتأكيد. طيب لو أرجئ للإجازة القادمة، هل سيكون أمر ممكنا؟! ربما. لكن الخطأ أن نجعل الناس تعاني من «اختناقات مرورية مضاعفة» أكبر من السابق، حتى يرتاحوا بعد شهور أو سنوات من «الاختناقات المرورية السابقة»!

لست مهندسا، ولا معماريا، ولا بيدي قرار مصير بدء الإنشاءات هنا وهناك، لكنني أهم من ذلك، أنا مواطن يفترض بأن عمليات الأجهزة الحكومية تتمحور حولي وتخدمني وتفيدني، وأن تحرص على تحقيق الرضا لدي، بالتالي دوري أن أستاء مما يضرني، وواجب الجهات المعنية أن تراعى «مشاعر» الناس و»مصالحهم» حينما تعمل، فعبارة «عذرا على إزعاجكم، نعمل لأجل راحتكم» لا تحل المشكلة بمجرد وضعها كلوحة على الشوارع بينما السيارات فوق بعضها البعض.

هل لدينا مشكلة تخطيط؟! نعم، لكن المشكلة أن لدينا مشكلة أكبر متمثلة بعدم «توقع» تأثير ما نقوم به على الناس، وإن انزعجوا واستاؤوا فإننا نعجز عن معالجة هذا الاستياء، إذ نحن سببه للأسف.