فاجأت عدة صحف إماراتية ومنها صحيفة الخليج قراءها بالصدور يوم 11 سبتمبر، بلا صور. وذلك في حملة دعائية لمعرض إكسبوجر للتصوير. قدم الأسلوب الخاص في النشر بيانا واضحا لقيمة الصور في حياتنا. ستشعر، بشكل تلقائي، وأنت تطلع على الصحف الخاوية من الصور بأن مدى العين قد انكسر وأن الرؤية قد انحسرت. فالصور التي نراها كل يوم وهي تكلل الصحف والكتب وإعلانات الشوارع والمنشورات، تتحالف مع أعيننا وتتناغم لتقدم لأدمغتنا مدلولات أكثر من مفهوم الصورة في ذاتها.

كان الرسم على جدران الكهوف هو اللغة الأولى لإنسان البدايات. قدمت النقوش وسيلة تواصل وتوثيقا منحوتا لتاريخ أؤلئك القوم البدائيين. وحين طور الإنسان علاقته التوثيقية بالحجر انتقل من الحفر على الجدران إلى نحت التماثيل التي جسدت الآلهة والملوك ورموز الدين والسلطان. أما حين اخترع الإنسان الرسم، فإنه أبدع في تصوير الأشخاص والطبيعة والمباني على أوراق الرسم، وفي توثيق تفاصيل حياته ومعتقداته وممرات وجدانه وإنتاجه العقلي وطقوسه الدينية. وبقيت الصورة منقوشة أو منحوته أو مرسومة لغة وثق بها الإنسان مراحل تاريخه ووقفات حياته المهمة.

يوصف هذا العصر بأنه عصر الصورة. فمنذ اختراع الكاميرا التي أحدثت نقلة كبيرة في المجال العام الرسمي، والصور تشق مكانها في حيز حياتنا باتساع لا يصدق ابتداء من الصور الفوتوغرافية وانتهاء بصور الفيديو مروراً بالصور في مجال العلم والمعلوماتية. فصورة بصمة العين التي تلتقطها الكاميرا الحساسة صارت تغني عن التوقيع الشخصي أو عن ضغط الإصبع على قارئ البصمات الحساس. لقد تمكنت الصورة من التحول إلى «جين» خارجي يحدد هوية المرء تماماً كما هي وظيفة الـ «DNA». وتجاوزت وظيفتها القديمة من التوثيق إلى مصاحبة البعض لأطول وقت ممكن عبر برنامج الإنستغرام أو السناب شات. أذكر أن إحدى الصديقات اشتكت لي ذات مرة أن عاملتها الآسيوية تبث تفاصيل يومها كاملاً لأهلها عبر كاميرا الفيديو مما أربك تحركات أفراد الأسرة في البيت، وفاقم نفقات هاتف العاملة. الصورة بكل تمثلاتها غيرت لدى الكثيرين مفهومي الوقت والمسافة.

أحد المظاهر المميزة من مظاهر الصورة في هذا العصر أنها تكشف عن القيم والأخلاق للمصورين ومستخدمي الصور. فقد عبرت كثير من الصور عن مشاعر المتعة والسعادة، أو التعاطف والدعم. كما عبرت صور أخرى عن الترهيب والتخويف، أو الابتزاز والتشهير. فللصورة وظائف لا تعد ولا تحصى في هذا العصر وقد تتمكن الصورة من تدمير فرد أو شعب كما وقع فعلاً في أحداث ما سمي بـ «الربيع العربي».

لا يمكننا تخيل هذا العالم بلا صور، فالصورة جزء من مخيلة البشرية وتعبير عن إنتاجها، والصور هي اللغة العالمية لكل عصر، وبها نفهم الحياة والآخرين أكثر.