د.فهد حسين – عمّان

عقدت دائرة الثقافة بإمارة الشارقة الدورة السادسة عشرة لملتقى الشارقة للسرد في مدينة عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، بين 17 و 19 سبتمبر الجاري، تحت عنوان (الرواية التفاعلية – الماهية والخصائص)، بمشاركة خمسين مشاركاً عربياً مقيماً في دولته أو عربياً مقيماً في المهجر، بالإضافة إلى بعض المستعربين من الدول الأجنبية. وكل هذا العدد بين باحث وروائي وناقد، إضافة إلى عدد من الكتاب والمبدعين الأردنيين والمقيمين.



وجرت عادة تنظيم الملتقى سنوياً في إحدى المدن العربية بعد ما أمر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بنقل الملتقى من الشارقة إلى فضاء العالم العربي، وبعد إقامة الملتقى في دورته الرابعة عشرة بمدينة الأقصر، وفي دورته الخامسة عشرة بمدينة الرباط، فها هو يقام هذا العام بعمّان – الأردن.

عنوان مثير للجدل

أخذ الملتقى هذا العام عنوانا مثيرا جدا للجدل والحوار، ومثيراً لحداثته من جهة، وطرحه ومناقشته من جهة أخرى، هو (الرواية التفاعلية – الماهية والخصائص)، فهو عنوان يلامس الرواية العربية في سياق الثورة المعلوماتية والتكنولوجيا، فعلى مدار ثلاثة أيام ناقش الملتقى عدداً من الأوراق والبحوث والشهادات التي طرحت مجموعة من القضايا المهمة في عالم الكتابة الروائية التفاعلية، مثل: الرقمية والإبداع – التحديات والآثار، الأدب التفاعلي: إشكالية المصطلح والمفهوم والأجناس التفاعلية، ماهية الرواية التفاعلية، بنية السرد في الرواية التفاعلية، الرواية التفاعلية: التقنيات والأبعاد الجمالية، الرواية التفاعلية والنقد الرقمي، الرواية التفاعلية وأثرها في الرواية التقليدية، بالإضافة إلى مجموعة من الشهادات التي كشفت عن علاقتها بالثورة التكنولوجية والكتابة السردية التفاعلية، ومن هؤلاء الكتاب، محمد سناجلة من الأردن، عبدالواحد استيتو من المغرب، صالحة عبيد وعبدالله النعيمي من الإمارات، وشارك من البحرين بشكل شخصي، كل من الدكتوة ضياء الكعبي، والدكتور فهد حسين.

وكما جرت العادة، فهناك ندوة رئيسة، وقد قدم فيها الناقد المغربي سعيد يقطين ورقته، وهناك الدائرة المستديرة، وندوات متعددة، وفي أثناء عرض الأوراق من قبل الباحثين، ومناقشتها من قبل المشاركين والحضور، برزت إشكاليات وتحديات كثيرة في طريق هذه الكتابة التفاعلية، ومنها: تلك التحديات التي تتمثل في تحد عصري واقعي، وأثره المفضي إلى الانخراط نحو العصر الرقمي، وتحد تاريخي تراثي يأخذنا أثره في ترهين التراث العربي، وتحد إبداعي يأخذنا إلى إبداع ثقافة جديدة، وكذلك تمت مناقشة أهمية التشبيك بين الأدب التفاعلي والألعاب الإلكترونية، وهذا ما أكد عليه بعض المعنيين بالأدب التفاعلي عامة والرواية التفاعلية بخاصة، مؤكدين عدم التوقف عند قضية المصطلح، الذي لايزال في طور التشكل وإن كان هناك فيما يخص النص الإلكتروني مجموعة من المصطلحات، مثل النص الترابطي، النص التشابكي، النص الإلكتروني، وهكذا، ولذلك عدم التعامل مع التفاعلية وكأنها موضة من الموضات والتقليعات التي تحدث في المجتمع شرط أساس من شروط الإبحار مع النص التفاعلي عامة، والرواية بشكل خاص، ووقفت بعض الأوراق على القارئ المتفاعل مع النص التفاعلي عامة، والرواية التفاعلية بخاصة، ووقفت أخرى على الناقد وأدواته النقدية التي تعينه على قراءة النص الرواية التفاعلية التي تتشعب بروابط كثيرة غير الخرف واللغة، مثل: المؤثرات الصوتية والموسيقية، والألعاب الإلكترونية والأفلام المتنوعة، واللوحات التشكيلية والرسومات المختلفة، وهنا قارن الباحثون بين الناقد الذي درس وأتقن بأدواته التعامل مع الرواية الورقية، والتطلع إلى ناقد لديه من الأدوات المختلفة، حيث إذا كان الناقد يعمل وفق مثلث (الكاتب والنص والقارئ)، فإن الرواية التفاعلية تتطلب النظر إلى (الكاتب والنص والقارئ والتقنيات التي يتيحها الحاسوب وتضاف إلى النص، وهنا أشار المشاركون إلى علاقة الكاتب إن كان واعيا بتقنيات الكتابة الحاسوبية، وبين المشتغل الفني والقادر على الهندسة التقنية التي تعين الكاتب في ذلك.

في سياق التحولات

وقد أثيرت مسألة قراءة الرواية التفاعلية في سياق التحولات الاجتماعية والثقافية ذات العلاقة بتطور الكتابة والقدرة على فك الرموز والأبجديات، وأثر ذلك على أساليب الإدراك والفهم والمعرفة، لذلك وقف بعض الباحثين ليناقشوا مستويات القراء العمرية والأدبية والثقافية والتكنولجيا، بمعنى آخر نحن بحاجة إلى الثقافة والتقنية، والبعد عن إصدار الأحكام، وبخاصة أن التفاعل يحدث بين القراء في صورة الجمع وليس المفرد، وهنا طرح البعض نماذج من الأعمال وكيف التعامل معها والتواصل من خلال قراءة النص والتفاعل معه في ضوء المعرفة التقنية التي تسهم في إيجاد حالة تفاعلية سواء بين المؤلف والمبرمج، أم بين النص والقارئ، الأمر الذي يأخذنا إلى مصطلح الرواية التفاعلية في دائرة البنية السردية التي لا شك أنها تشكل بعداً من تمازج الثقافات بحكم تعدد القراء والمتلقين الافتراضيين الذين يشكلون أبعاداً من الهويات المختلفة والمتعددة، دينياً وطائفياً ولونياً وإيديولوجياً ومكانياً، ودورهم في تشكل الرواية التفاعلية والإضافات التي سيقدمونها عبر الروابط المختلفة، ومن خلال اقتراح مقدمات أو نهايات لها، ولكن في ضوء حضور النص التفاعلي أو الرواية التفاعلية، فهل نحن خرجنا عن السياق الذي كانت تسير عليه الرواية، أم هناك إرهاصات في تراثنا العربي وكتاباتنا الحديثة؟ وبخاصة أن هناك من كان يغرق في طرح مسألة التعامل مع هذا النص.

وكما نعلم أن كل جديد يصطدم بمعارضين إليه، مع الاستمرار والوقت يستقر هذا الجديد ليصبح واقعاً معيشاً في الحياة، لذلك كان التأكيد على أنه ليس بالضرورة كل جديد يعمل على تقويض ونسف ما هو قديم، حيث جاءت بعض المقولات التي نادت بموت المؤلف لتعطي القارئ مسئولية تلقي النص وتحليله، وموت النقد الأكاديمي، على حساب النقد الثقافي، بل هناك من نادى بعصر الرواية على حساب الشعر، غير أن المؤلف والناقد والشعر باقون، وهذا ما بينته إحدى الأوراق وتلك الإرهاصات التي تشكل بعض الشيء بعداً في عالم الترابط الشبكي، مثل: حكايات ألف ليلة وليلة التي تبدأ بحكاية ولكن تدخل من حكاية لأخرى وهكذا، بالإضافة إلى اشتغال بعض الكتاب على عمل مشترك، مثل: رواية عالم بلا خرائط لجبرا إبراهيم جبر وعبدالرحمن منيف، وتجربة قاسم حداد مع أمين صالح في الجواشن، أو تجربته مع العزاوي، أو تجربته مع عبدالجبار الغضبان وعباس يوسف، أو تجربته في وجوه مع خالد الشيخ وعبدالله يوسف.

مفهوم الافتراضي

وهنا بدأت الورقة تتساءل عن مفهوم الافتراضي، هل هو فعلاً واقع افتراضي أم هو جزء من الواقع، وبخاصة أن المتفاعل يذهب بنشر مقاطع موسيقية أو أفلام أو لوحات أو أصوات أو صور، وهي في الأصل واقعية وليس خيالية، لذلك فالافتراضي هو واقعي بشكل آخر، وقد استندت الورقة إلى ستيفان فيال الذي قال في كتابه الكينونة والشاشة – كيف يغير الرقمي الإدراك: "الافتراضي ليس وهما ولا استيهاما، ولا مجرد احتمال مرمي في جوف الممكن، إنه واقعي وبالفعل يعمل بصورة أصولية، الافتراضي هو في نظام الواقع".

في ضوء هذا الاشتغال العلمي والنقدي في الملتقى كانت العلاقات الاجتماعية والثقافية تأخذ مسارها عبر الحوارات الجانبية هنا وهناك، وتبادل المطبوعات، والتقاط الصور التذكارية، لذلك نقول: عظيم الشكر إلى الدائرة الثقافية بالشارقة، وإلى كل القائمين على الملتقى إعداداً وتنظيماً وتنفيذاً ومتابعة وإنجازاً.