يتفضل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه فيشمل برعايته الكريمة يوم غد الاحد افتتاح دور الانعقاد الاول من الفصل التشريعي الرابع لمجلسي النواب والشورى .


ومع صدور الأمر الملكي رقم 62 لسنة 2014 بدعوة مجلسي النواب والشورى للانعقاد يوم الرابع عشر من شهر ديسمبر لافتتاح دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع، تتأكد لدى الكافة أن مسيرة التطور الديمقراطي في البحرين لن تتوقف رغم كيد الكائدين، وأن قطار العمل البرلماني سيواصل تحركه، وأن التجربة النيابية تمضي قدما لتحقق أهدافها المرجوة والمرسومة لها بعناية لتسطر إنجازا جديدا للوطن والشعب يضاف لسجل حافل من الإنجازات ضمن المشروع الإصلاحي لجلالة العاهل المفدى الذي انطلق عام 2002.

ويعول الكثيرون على المرحلة الحالية من عمر المجلس ليس فقط لإيمان لديهم لا يتزعزع بدور السلطة التشريعية في ترسيخ الحياة الديمقراطية ومواصلة مسيرتها، مثلما أكد على ذلك حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة عاهل المفدى في أحد تصريحاته، وإنما لأن المجلس الجديد جاء وسط بحر متلاطم الأجواء من التحديات والتهديدات التي حاولت التشكيك في البناء المؤسسي والدستوري للمملكة، والنيل من إحدى أهم أدواته، وهو البرلمان، ومساهماته الجليلة في النهوض بالمشروعات التنموية للبلاد، التي شملت القطاعات كافة بالنظر إلى دوره في سن القوانين والتشريعات الضرورية، واتخاذ الإجراءات اللازمة للارتقاء بأداء وكفاءة أجهزة الدولة، فضلا عن تلبية احتياجات المواطنين وتخفيف العبء عن كاهلهم.

إنجازات تبشر بمستقبل واعد

بل ويؤمن الكثيرون أيضا بدور أكبر للمجلس النيابي الجديد في الفترة المقبلة، خاصة مع الوجوه الجديدة التي شرفت بالانضمام إليه بعد الانتخابات الأخيرة، والتي تزيد عن الـ70 % من أعضائه، والتي لا يمكن إلا أن يكون لها دورها، بحيث تعمل على أن تصيغ وترسم توجها جديدا للمجلس يفتح الباب لإنجازات أكبر في المستقبل تفوق ما تحقق خلال المجالس الثلاثة السابقة، وبحيث يكون بإمكانه الرد على جملة التهديدات التي ترددت قبل فترة، وحاولت ترويع الشارع ومنعه من تحمل مسؤولياته الوطنية وأداء الالتزامات السياسية المناطة به، وذلك بالإشارة إلى الاعتداءات التي نالت قطاعا من المترشحين والناخبين على السواء، ووقف أمامها المواطنون وقفة رجل واحد في رسالة عبروا فيها عن أملهم بالمؤسسة التمثيلية الأولى والوحيدة بالمملكة لتواصل ما شرعت فيه في الفصول التشريعية الثلاثة السابقة، والتي جاءت بعد ثلاث دورات انتخابية نزيهة وشفافة وولايات كاملة أعوام 2002 و2006 و2010، التي شهدت انتخابات تكميلية 2011.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن إنجازات التجربة النيابية البحرينية في الدورات السابقة ستكون دافعا للمجلس الحالي بالعمل من أجل تحقيق مزيد من المكتسبات لصالح الوطن من جهة، والبرلمان وسلطاته وصلاحياته ودوره من جهة ثانية، ومن أجل المواطنين من جهة أخيرة، ويدفع إلى ذلك العديد من البواعث، منها:

ـ إن إنجازات مجلس النواب معروفة ومحددة ومسجلة، ويستطيع أن يتلمس ملامحها القاصي والداني، خاصة بالنظر إلى طبيعة وشمولية الموضوعات التي طُرحت في أروقته طوال السنوات الاثني عشر الماضية، من مشروعات ومقترحات قوانين ورغبة، والتي نقلت البحرين من مرحلة الريادة في الإصلاح إلى قيادة قاطرته في المنطقة ككل، سيما أن هذا الإصلاح شمل القطاعات كافة، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بينما لم تستطع دول أخرى فعل ذلك.

ـ كذلك، فإن هناك العديد من القضايا والملفات التي تمس مصالح الوطن والمواطنين الحياتية، ويتعين على المجلس الجديد استكمالها، ليس فقط في الجانب التشريعي والرقابي، أو على صعيد الأدوار التقليدية للمجالس النيابية في عمومها، وإنما على صعيد الجوانب الأخرى والأدوار غير التقليدية للمجلس، التي تكفل تحقيق تطلعات الشعب البحريني، وتفي باستحقاقات المرحلة المقبلة من مراحل العمل الوطني الجبارة التي شرع فيها منذ نحو عقد، واستهدفت ليس فقط إرساء الأركان الدستورية للدولة، وضمان منح الشارع القوة والنفوذ الذي يستحقه باعتباره مصدر السلطات جميعا، وإنما لأن الشارع هو القادر وحده على إضفاء الشرعية على المؤسسات الدستورية التي تمثله، وليس غيرها من جمعيات أو أعمال غير مشروعة، وذلك إثر مشاركة المواطنين الواسعة في الانتخابات الأخيرة بجولتيها، ورغم محاولات سلب إراداتهم من جانب بعض القوى الموتورة التي ادعت أن الشارع لها يتحكمون فيه ويسيطرون عليه.

ـ يضاف بالتأكيد إلى ذلك، ضرورة استكمال الجهود التي يقوم بها الجهاز التنفيذي للدولة في سبيل نهضة الوطن ورقي الأمة، والتي لا تكتمل في الحقيقة إلا بهذا التعاون المثمر الذي يقدمه مجلس الخير للشعب البحريني مع الحكومة الموقرة، والذي يعكس نموذجا يحتذى في التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من أجل المضي قدما في المسار الديمقراطي والمشروع التحديثي للعاهل المفدى، والذي يرمي إلى تطوير التجربة، وإدخال أية إصلاحات مطلوبة يفرضها العمل اليومي، ومستجدات الساحتين المحلية والعالمية.

وكان سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة وفور تسلمه خطاب التكليف وتحمل الأمانة وبعد أن أدت الحكومة القسم أمام العاهل المفدى، قد أكد في أحد تصريحاته على أن تكون "مصلحة الوطن هي هاجس الجميع"، مشيرا إلى "التوجيهات الواضحة للوزراء والمسؤولين بأن تكون أبوابهم دوما مفتوحة لممثلي الشعب، والاستجابة السريعة والفعالة مع كل ما يطرح تحت قبة البرلمان"، وهي رسالة لا تعكس فحسب الإيمان بضرورة العمل معا من جانب ممثلي الشعب في البرلمان والحكومة الموقرة من أجل الوطن ومستقبله، وإنما تؤكد السعي المشترك لإيجاد الآليات الكفيلة بتحقيق هذا التعاون المنشود في سبيل تحقيق البرامج الموضوعة والخطط المنشودة.

المجلس الجديد وقضايا العمل الوطني

ومن خلال القراءة المتعمقة لإنجازات التجربة النيابية البحرينية في الفصول التشريعية الثلاثة السابقة، تحديدا، والتي غطت أكثر من خمسة آلاف موضوع بين مراسيم ومشروعات ومقترحات بقوانين وبرغبة، فضلا عن الأسئلة والاستجوابات ولجان التحقيق وغير ذلك من مشاركات خارجية وبيانات سياسية، هذا بالرغم من التحديات التي واجهتها التجربة ذاتها طوال العقد الفائت، يمكن الخلوص إلى أن المجلس الجديد سيقع عليه عبء كبير ومسؤوليات عظيمة في دور انعقاده الأول باعتبار أن هذا الدور هو المقياس الذي سيحدد إلى أي درجة يمكن أن ينخرط فيها النواب في القضايا والملفات المختلفة، ونوعية المشكلات التي سيتعاطون معها، ومن ثم مدى ومستوى الإنجاز والعمل الذي يمكن أن يشرعوا فيه في الفترة المقبلة.

وتبدو هنا أهمية النظر لثلاثة معايير أساسية سترسم إلى حد كبير شكل وطبيعة وأسلوب تعامل المجلس الجديد مع التحديات التي تواجهها المملكة سواء على الصعيد المحلي، خاصة لجهة تلبية احتياجات المواطنين الحياتية والخدماتية، ولجهة دفق مياه جديدة لشرايين العمل البرلماني وتفعيل دوره التشريعي والسياسي وتطوير مسارات الإصلاح وتزويدها بما تحتاج إليه من آليات أو أفكار جديدة، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، سيما لجهة موقع المملكة ومكانتها ودورها وصورتها في المحافل المختلفة وسمعتها كدولة ذات تجربة ديمقراطية ناشئة ومتطورة وبيئة أعمال جاذبة ومحفزة.

أول هذه المعايير يتعلق بأولويات برنامج العمل الحكومي، والذي بالرغم من أنه سيعطي أهمية قصوى للخدمات المقدمة للمواطنين، خاصة على صعيد خلق فرص العمل وتوفير المسكن المناسب والارتقاء بالمستوي التعليمي وتلبية الاحتياجات المعيشية، لكن ذلك لا يعني أنه لن يولي أو يعطي الاهتمام الكافي بمتطلبات مشروع الإصلاح الديمقراطي وبرامج التنمية الحكومية العامة وتطوير البنية الدستورية والقانونية لمؤسسات الدولة.

والدافع إلى هذا الاهتمام أن أي برنامج تنموي يستهدف بالأساس رضا المواطن والوفاء باحتياجاته، ومن ثم فإن تنفيذ ما يرد بالبرنامج الحكومي الذي سيعرض على المجلس، سيضمن بالتأكيد الوفاء باحتياجات الشارع ومتطلباتهم الحياتية، كما أن استكمال مقومات التجربة الديمقراطية، دستوريا وقانونيا وسياسيا، سيكون ضمانة للاستقرارين الأمني والاقتصادي، وذلك لإن استمرارية التجربة السياسية والانتخابية وانتظامها دون معوقات يعد سياجا حاميا لمشروع العاهل المفدى الإصلاحي وديمومته.

المعيار الثاني يتعلق برؤية البحرين المستقبلية 2030، والذي يسعى الجميع بداية من القيادة الرشيدة والحكومة الموقرة والقطاعات التجارية المختلفة، فضلا عن المواطنين بطبيعة الحال، لجعلها واقعا على الأرض، وتُبذل منذ سنوات جهود مضنية وتحركات واسعة بالداخل والخارج على السواء لتجسيدها ميدانيا، إن صح هذا التعبير، على اعتبار أن الميدان الآن للعمل الاقتصادي وحده باعتباره شرطا أساسيا لمواصلة المضي قدما في مسارات الإصلاح المختلفة.

وبطبيعة الحال لن يتوانى ممثلو الشعب وبالتعاون مع الجهات المعنية من تنفيذيين وقيادات مالية وتجارية ومواطنين، من الانخراط في هذه الجهود التي تضعها المملكة أولوية لها، وبما يستهدف استقطاب المزيد من الاستثمارات، وفتح الأبواب لرأس المال الوطني للعمل بأريحية وانطلاق، والمشاركة في كل ما من شأنه ضمان التفوق الاقتصادي للبحرين، والذي سيكون ـ بالتأكيد ـ سبيلا لحل المشكلات التي تعترض تطور بيئة الأعمال البحرينية المحفزة، ومن ثم توفير فرص عمل جديدة للبحرينيين وتحسين مستوى معيشتهم.

المعيار الثالث خاص بالاختيارات الشعبية التي يمكن أن يعبر عنها المواطنون في الفترة القادمة، ومن الطبيعي أن ينقلها النواب ويجسدونها في مداولاتهم وجهودهم وطروحاتهم ومناقشاتهم داخل أروقة البرلمان وتحت قبته.

وهنا يتعين القول أن نواب المجلس الجديد يدركون تماما دورهم كنواب أمة، وليسوا نواب خدمات أو مناطق، وأنهم قادرون على الفصل بين ما يُطرح في الخيام الانتخابية وأمام ناخبيهم وبين ما يطرح تحت قبة البرلمان التي بحاجة إلى منظور واقتراحات مختلفة بحيث تكون أكثر واقعية واستيعابا للحاجات الأساسية، وليس الفرعية أو الثانوية، وبعيدا عن تلك التي تستخدم فيها الوعود والإغراءات التي يصعب تحقيقها، أو تستهدف اللعب على أوتار عاطفية، كما أنهم يملكون من المسؤولية والالتزام والخبرة ما يؤهلهم لرفد التجربة السياسية برمتها، وليس النيابية فحسب، سيما على صعيد الإسراع في عملية التشريع وسن القوانين اللازمة التي تستهدف رفعة الوطن وتقدمه وضمان ازدهاره.