في عالم صغير تصلنا أخباره في لمح البصر تصبح أحداث الدول البعيدة مثيرة ومشوقة للمهتم والمتابع خاصة عندما تكون هذه الدول لها ثقلها العالمي وخاصة أيضاً في فترات الهدوء السياسي المحلي «بسبب الإجازة البرلمانية». وحالياً أكثر الأخبار تصدراً لمقياس الإثارة هي «بريكست» ومحاولة إقالة الرئيس الأمريكي.

وفي كلا الحدثين يسعى اليسار إلى الطعن في عمل و رموز اليمين. فقضية «بريكست» تحولت الآن إلى معركة طعن وتشكيك في رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ومحاولة لشيطنته وإظهاره بمظهر المسؤول المتهور والمتعالي على القانون. نفس الحال، يحدث في أمريكا حيث يحاول اليسار هناك إلى تشويه صورة ترامب قدر المستطاع وتصيد أخطائه وإن كانت تافهة. ليس هذا فحسب، حيث يعمد اليسار إلى تعطيل أي مشروع يتقدم به الطرف الآخر بكل وسيلة ممكنة. ببساطة، جمود في العمل يقابله اشتعال سياسي لا مثيل له.

وأحياناً يشعر المراقب أن مسألة الديمقراطية التي طالما تشدق بها من هم في شمال الكرة الأرضية وتفاخروا بها أصبحت هي المعطل والحاجز لاستمرار العمل وتطوره. حيث تبقى الملفات المهمة التي تمس حياة الناس حبيسة نزاعات لا نهاية لها وجدل مزعج وتبادل اتهامات بين أطراف اللعبة السياسية، فأما أن يتأخر البت فيها أو تتجمد.

أن يبقى ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ثلاث سنوات يخيم على عمل حكومات متعاقبة ويسلبها الإنجاز أمر في غاية الخطورة. وأن توضع عصا «سياسية» معرقلة لعجلة بناء سور مثلاً يحمي الأراضي الأمريكية من دخول المجرمين والعابثين إليها لعامين ونصف أمر أيضاً يصعب تصديقه.

وأعتقد أننا كنا موفقين جداً في أننا لا نسمح للجدل السياسي «العقيم» ومعارك التصفية أن يستشريان كثيراً في تجربتنا الديمقراطية الوليدة. فمازلنا نمسك العصا من المنتصف ونسمح بمساحة جيدة من الحديث عالي الصوت والجدل وشيئاً من المهاترات لكننا وكمنظومة عمل لا نعطل ملفاتنا الأساسية ونؤخرها من أجل «السياسة».

الكمال لله وحده، ولا توجد تجربة إنسانية مكتملة لذلك أولاً علينا أن لا ننبهر كثيراً بما يأتينا من الشمال أو الجنوب مهما كانت الحجج وثانياً علينا أن ننتبه للسلبيات عندما نقتبس من الآخرين تجاربهم.

مسألة «الكوبي بيست» هذه علينا أن ننساها.