ظاهرة الفاشنستا هي آفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، آفة سيطرت على عقول الكبار قبل الصغار، آفة حملت معها عادات سلبية تهدد المجتمعات الكبيرة قبل الصغيرة، تهدد حتى ثقافة المثل الأعلى سواء في المنزل أو حتى المجتمع، بات من يطلق عليه فاشنستا ذكراً كان أم أنثى بمثابة العالم، عالم في كل المجالات والعلوم وحتى الفقه والدين، إن أراد المراهق من الجنسين شراء غرض معين فيجب أولاً معرفة رأي الفاشنستا في هذا الغرض، وإن لم يرد شراء شيء معين فيجب عليه أن يشتريه لأن الفاشنستا الفلانية اشترت هذا الغرض.

نحن في عالم غريب غاب عنه العقل والمنطق، غابت عنه حتى القدوة والمثل الأعلى، وتسمر أبناء الجيل الحالي خلف شاشات هواتفهم يتابعون ويقلدون هذه الظاهرة الغريبة والمزعجة والتي يشمئز منها من بقي لديه شيء من الذوق وقليل من الأخلاق، وعندما تواجههم بحقيقتهم يتسابقون لرفع القضايا والدعاوى القانونية بحجة حرية الرأي والتعبير، حتى إن كثيراً منهم وضع حسابه تحت إدارة هذا المحامي أو ذاك.

لا أعلم ألوم من أو ألقي المسؤولية على من، هل لرب الأسرة وعمودها دور في عدم السيطرة على أبنائه، وعدم متابعته لهم، أم للأم التي يجب أن تكون قريبة من فلذات أكبادها؟ أم على الطرفين.

أتعلمون متى تتحول هذه الظاهرة إلى مصيبة؟ عندما تناقش الأم والأب على حد سواء في ما يتابع أبناؤهم، فتجدهم أول المتابعين للفاشنيستا، بل وتكون الإجابة وماذا في ذلك؟ هنا أقول لهم إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص. ماذا تتوقع من المثل الأعلى أن يكون إذا كان هو الآخر غارقاً في هذه المصيبة والبلوى التي حطت عليه وعلى ذريته، ماذا سيكون تصرفها -أي الأم- إذا كانت هي الأخرى وصلت إلى حد إدمان متابعة آفات العصر من الفاشنستات ومن على شاكلتهم.

للأسف المجتمع هو من أوصل تلك المجموعة إلى الشهرة، وجعل منهم قدوة للجيل الحالي والقادم، فصار منهم من يدعو إلى التحرر عبر تصويره لجميع الأوقات التي يقضيها مع عائلته، والبعض الآخر استغل سذاجة المتابعين عبر اتجاهه لتسويق سلع لا حاجة للناس بها، أما البعض الآخر فاتجه لعالم الموضة والأزياء، وهناك من اتجه للمكياج.

الفاشنيستا لم يتوقف عند توجه معين، فغزا جميع التخصصات حتى وصل إلى الدين، وفتاوى على «السوشل ميديا»، فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، فتاوى تصل إلى مراحل أبعد ما تكون عن الدين، فتاوى يقدمها لنا من كان يتغيب عن حصص الدين والتربية الإسلامية في المدارس، أما البعض الآخر فاتجه إلى السياسة، فمع سرعة التحولات السياسية في المنطقة والعالم، تحول البعض منهم إلى محللين سياسيين، يتحدثون عن مواقف دول وسياساتها، يقدمون الرؤية السياسية لقرار معين ويستشرفون المستقبل!!!!

ما الذي أوصلنا إلى هذا الحال، هل لأن العالم المتمكن وصاحب العلم والحكمة أغلق فمه عندما استيقظ على أصوات نشاز تفتي في كل شيء، وتفقه في كل شيء، بدءاً من الموضة والأزياء وصولاً إلى مستقبل دول وحكومات، أم لغياب التشريع والقوانين التي لن تأتي إلا بتوافق تام بين المشرعين بكافة الدول العربية؟!

لا بد من وقفة، والوقفة لن تأتي إلا بالقانون، والقانون لن يُسن إلا بتغيير نمط حياتنا جميعاً، فقبل أن نلقي باللائمة على القانون، يجب أن نعيد الأمور إلى مجرياتها ومسارها الصحيح، بدءاً من المنزل، ووصولاً إلى قبة البرلمان. ما أدعو له هو صحوة جماعية، صحوة تتولد من صرخة مستغيث لعلها تجد أذناً واحدة تلبي نداء العقل، وتعيد الأمور إلى نصابها، وتضع الفاشنستات في حجمهم الصحيح.