تصلني ردود فعل عديدة على المقالات المعنية بالشأن الإداري، والتي من خلالها أسعى لترسيخ ثقافة «الإدارة القويمة» عوضاً عن ظاهرة «ادعاء الإدارة بالشعارات» والتي ضلل بها كثيرون مجتمعنا داخلياً، وبسببها ضاعت قطاعات وتأذت جموع من البشر.

لكن من بين ردود الفعل، استوقفني رد فعل أمس، شخص يسألني بشأن هذا التنوع في الكتابة، وكيف تنجح المواءمة بين الكتابة السياسية، وبين الإدارية، أو تلك المعنية بشؤون المجتمع.

إجابتي دائماً واحدة، وهي بأننا اليوم نحارب على «جبهتين»، لدينا حرب خارجية مستمرة، وذلك بسبب وجود جهات معادية تستهدف بلادنا منذ عقود، وأموال ودعم وتهريب لأسلحة، بها تدعم جماعات انقلابية وخونة أوطان، وهؤلاء لنا معهم سجال لن ينتهي إلا بدحر مخططاتهم الخبيثة، فالبحرين ككيان، والبحرين كنظام، والبحرين كشعب مخلص، ستظل منظومة عصية على الطامع، ولذلك فإن الشأن السياسي لابد وأن يعود بين الفينة والأخرى، طالما هناك عدو متربص، وكاره حاقد يستعد ويتجهز، دون إغفال العين الساهرة عنهم.

لكن الجبهة الثانية، هي حربنا الداخلية، وهي حرب لأجل البحرين، كمنظومة عمل تطمح لتحقيق الأفضل، وترنو للتطور، وهي حرب لأجل المواطن حتى يتم حفظ حقوقه، ويتم صون كرامته، وحتى تتحقق العدالة لديه، وحتى يتوازن «الميزان» المعني بالثواب والعقاب، ما بين عمل صالح يقدر، وبين عمل فاسد لابد وأن يواجه بحزم وردع.

حربنا الداخلية هي «حرب إصلاحية»، وأصفها بـ«الحرب»، لأنك في شأن الإصلاح والتغيير ومحاربة الظواهر الخاطئة على رأسها الفساد المالي والإداري، ستجد بالضرورة جماعات تقف منك موقف الضد، تحاول أن تعاديك وتضرك وتستهدفك، وغالباً ما يكون «استهدافاً جباناً» لأن الفاسد لا يواجه بوجه مكشوف، بل له ألاعيبه وتدابيره، هؤلاء مثل «سرب البوم» الذي لا يقوى على أشعة الشمس في النهار، كونها تسطع بقوة كاشفة الحقيقة، لكنهم ينشطون في دهاليس الليل، عبر الدسائس والمؤامرات.

حربنا الداخلية يا سادة، مبعثها وحجر أساسها القوي مرتكز على المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد حفظه الله، قائدنا الشجاع الذي جاء ليغير الواقع إلى الأفضل، جاء ليحارب من أجل الإصلاح والسلام والتعايش وحفظ حقوق الناس، وفي حربه هذا هو يبحث عن المخلصين، لأنه الرجل ذو التركيبة العسكرية التي تدرك تماماً بأن القوة في الحق والعدالة والإصلاح لابد وأن تكون قائمة على جنود مخلصين شعارهم التضحية والإخلاص والوفاء، وهنا الفاسد والمخرب لا يمكن أن تبحث عن الوفاء فيه، لأن وفاءه للوطن معدوم، فهو يملك وفاء لذاته ونفسه، لمكاسبه وملذاته، لكرسيه الذي «يعبده» ويلتصق به، ولو كلفه ذلك تدمير البشر.

حربنا الداخلية ضد الفساد الإداري الذي يقود للفساد المالي، ضد «فراعنة الكراسي» الذين خانوا ثقة المسؤولية، حينما «كبروا كروشهم» على حساب البلد، حينما حطموا كفاءاتها ليحموا مواقعهم، حينما يضللون المجتمع بأكاذيب بينما الحقيقة تثبت أنهم هم دمار الوطن.

لدينا عدو خارجي يهددنا، وهذا نحن ومعنا المخلصون الملتفون خلف قائدنا الملك حمد كفيلون بهم، وإن عادوا عدنا، لكن عدونا الداخلي، هو الذي يتغلغل بداخلنا، هو من يعبث بمقدراتنا، بأموالنا، بشبابنا وكوادرنا، هو من يحطم كل شعار إصلاحي جميل بفساده وطغيانه.

القضاء على عدونا الداخلي، على المتخفين من ممتهني الفساد بشتى أنواعه، هو ما يجعل بلادنا أقوى وأصلب شوكة حينما تتصدى للعدو الخارجي الظاهر في عدائه. فأنقذوا بلادنا منهم.