* مهما قلنا عن الحياة فهي مدرسة كبيرة نتعلم فيها كل شيء، ونستلهم منها ما يعيننا على «مسير الحياة» الذي مازلنا نسير فيه مع كل يوم يمد فيه المولى أعمارنا.. قد تتشابه المواقف وقد تختلف.. ولكن في النهاية يبقى تقدير المرء للموقف نفسه بمشاعره وتقييم الظروف المحيطة به.. لأنك باختصار في كل حال لك مشاعرك الخاصة باختلاف الزمان والعمر والمكان.. الحياة تفرض علينا أن نكون تلك العناصر البناءة في العطاء، التي تلبس لباس الإيجابية والنظرات المتفائلة، لا أن نكون تلك العناصر الهدامة التي لا تنشد الخير، بل تنشد أن يظل المرء قاصراً في إنجازاته ومثابرته في تحقيق أحلام الحياة.. في ميدان الحياة العديد من الدروس التي يجب أن تكتب وتدرس للأجيال، لأنها باختصار مؤشرات خطيرة في حياة كل مسلم يتنفس الحياة.. فكل درس هو بمثابة جرس إنذار لحياتك الدنيا قبل أن تنتقل إلى المحطة التالية في مسيرك وهي «محطة البرزخ» التي ستختلف فيها المشاهد وستنتهي الأيام والمواقف، وسينتهي العمل الذي تقتنص فرصه اليوم في كل لحظة.. من يفهم دروس الحياة جيداً عليه أن يذكر نفسه دائماً بأن الرحلة قصيرة جداً والأجل قريب والاستراحة بسيطة جداً وأعباء الحياة لا تمهلك الكثير حتى تفكر في المسير..!! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل». وعن أنس رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطاً فقال: «هذا الأمل وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب». وكان أبوهريرة رضي الله عنه إذا رأى أحداً يحمل جنازة يقول لها: «امضوا، فإنا على الأثر». وهذا أحد الصالحين يقول: «كم من مستقبل يوماً لا يستكمله، ومنتظر غداً لا يبلغه، لو تنظرون إلى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره». ويقول أبو العتاهية:

نسيت الموت فيما قد نسيت

كأني لا أرى أحداً يموت

أليس الموت غاية كل حي

فما لي لا أبادر ما يفوت

* يقول أحدهم: «إنني أعيش حياتي، ولست أشتري أسلوب حياة». وأعجبتني هذه الفقرة لأحد الكتاب: «إن نمط الحياة المثالي لن يساوي ثمن حياتك، فلو ضحيت بجودة حياتك الأسرية أو حياتك الروحانية من أجل أن تنعم بنمط الحياة المثالي، فأنت تخدع نفسك! ومرة بعد مرة نستسلم لنجد أنفسنا مازلنا غير سعداء حقيقة، لذا نعود إلى البحث عن هذا «الشيء الإضافي». في أحيان كثيرة قد تختار أسلوب حياة معين ترضى أن تعيش فيه على حساب أشياء أخرى ثمينة في حياتك هي الأصل في تميزك في مسير الحياة.. وقد تقرر أن تحول كل أساليب حياتك إلى أسلوب «المثالية» والترنم بأمور قد تراها ضرورية في حياتك، وإن كنت فيها بطلاً يشار إليه بالبنان.. ولكنك تكتشف بعد حين وبعد أن تراقب ذلك القلب الصغير، أنك قد غفلت عن أمور أهم في حياتك، ولم تبسطها بسطاً، ولم تعتني بعلاقتك الأهم مع ربك ولا بأسرتك وأهملت تحقيق ولو جزء يسير من طموحاتك.. ذلك لأنك ركزت على الأسلوب على حساب الأهم. اختيارك هو من يحدد مصير استمتاعك بالحياة قبل أن تغادرها إلى الأبد.. استمتاعك بكل شيء حتى تحقق الأثر في كل المناحي التي تطلبها.. وقبل أن تجد نفسك بعيداً عن كل الأشياء الجميلة التي تحبها.

* عندما تقتنع أنك قد قدمت فكرة جميلة لزميلك أو لعملك أو لصاحبك في مسير الحياة، فإنك حينها ستكون في قمة الراحة والطمأنينة، لاعتقادك أنك قد ساهمت بشيء يذكره لك الزمان! ولكن بالفعل هل أنت قادر على أن تكون الضيف الخفيف على الآخرين وتساهم في حل مشكلاتهم وإخراجهم من ضيق نفوسهم التي أجبرتهم أن يبتعدوا عن ميادين الإنجاز والعطاء؟ هل فكرت أن تكون بالقرب من كل محب ملك حبه قلبك وارتمت أشواقك في مساحات نفسه؟ فلك أن تتصور أنك حينها إما أن تسكن قلبه إلى الأبد، وإما أن يضطر أن يعتذر لك عن تمازج المشاعر.. إن فكرتك وأسلوب محبتك وعلاج المشاعر التي تعتقد أنك قادر على الخوض فيها.. إنما تحتاج إلى «حكمة حياة» وقراءة سطور النفس التي تتعامل معها.. بل قراءة «الحب» الذي تبادله.

* عندما يتم تشكيل فريق العمل لإحدى المهمات في أحد الميادين، ولمهمة قد تبدو منذ الوهلة الأولى شبه غامضة، فإنك تلاحظ تباين مشاعر أعضاء الفريق ما بين الخائف والمتردد والمقبل والمبادر والمتهور وسريع القرار.. من هنا يأتي أهمية اختيار العضو بدقة متناهية، وقراءة «نفسيته» وتاريخه والمواقف التي مر بها حتى لا يؤثر سلبا على منحنى التطوير والإبداع داخل الفريق.. لذا فإنه من المؤكد أن يكون الانسجام والتوافق مع اختلاف النظرات الإبداعية هو ميزان العمل للفريق، والأهم أن يكون الجو العام لفهم كل فرد «الإيجابية» وكسر حواجز المألوف والتفكير خارج الصندوق وترك الإرث القديم لأساليب العمل، وعدم وضع قيود وهمية تتمثل في ضيق الوقت أو ضغط العمل.. فإنه بالإمكان أن يكون المبدع متميزاً في العديد من مجالات الحياة.. وهو ما يساعد فريق العمل على التميز. درس مهم يجب أن نتعلمه جيداً..

* أجمل ما شدني في الاحتفال بيوم المعلم العالمي، تلك الذكريات الجميلة التي جالت في خاطري وعشتها في سنوات قد خلت داخل أروقة مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين عندما كنت حينها مدرساً لمعلم الفصل، وقضيت خلالها أجمل سنوات العمر، وجمعتني ذكريات لا تحصر مع الطلبة وأولياء أمورهم، والذين مازلت أراهم اليوم شامات للعطاء والإنجاز.. عطاء جميل لا يتكرر.. قرأت أثره في سطور جميلة بعثها لي أحد «تلاميذي النجباء».. أحتفظ بها ما حييت.. وقرأتها إجابة على سؤال طرحه أحد الشباب: حول أكثر المعلمين تأثيراً في حياتك؟ تفاجأت بذلك الطالب النجيب وهو يكتب اسمي بين السطور.. هذا الطالب الذي كان في مقدمة المتفوقين ومازلت أحتفظ في مكتبتي بصورته التي أهداني إياها مقارنة بين صورته في المرحلة الابتدائية وصورته في فرحة التخرج.. هو الأثر الجميل الذي يبقى.. وهي المحبة التي نتركها في القلوب بدون أن نحس.. تبقى مهنة «المعلم» هي المحطة الأثيرة على قلبي.. وتعلمت منها الكثير.. وتركت فيها الكثير.. وخرجت منها بأبطال أفتخر بهم عندما أراهم اليوم قامات شامخات في محافل الحياة.. يا رب وفقهم واحفظهم من كل شر.

* ومضة أمل:

حبك المتجذر في وجداني علمني أن أكون وفياً لك أبداً ما حييت.