منح الحلفاء تركيا لواء الإسكندرون الذي اقتطعوه من سوريا عام 1939 نظير مشاركتها في الحرب العالمية الثانية، ثم للتذكير من جديد في يناير 2018 اجتاحت القوات التركية بلدة «عفرين» على الحدود الشمالية الغربية لسوريا في عملية أطلقت تركيا عليها اسم «غصن الزيتون» بذات الحجة وهي حاجتها لمنطقة آمنة وبحجة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين لاجئي سوري في تركيا!

إنما الاجتياح التركي لعفرين نجم عنه نزوح أكثر من ربع مليون سوري تزامن مع دخول ألوية عسكرية تركية بمسميات عثمانية مثل لواء السلطان مراد ولواء السلطان شاهـ ويذكر أن من سهل دخولهم وتعاون معهم فصيل سوري معارض هو «فيلق الشام» المحسوب على الإخوان المسلمين السوريين، وهو ذات الفصيل السوري المتعاون مع تركيا اليوم في الاجتياح الثاني.

للعلم عفرين منطقة مغلقة لا يصعب السيطرة عليها، في حين يبلغ الشريط الحدودي الذي تريد تركيا تأمينه 100 كيلومتر مربع ومفتوح الجبهات، وتجتاح تركيا الحدود السورية بعملية أطلقت عليها «نبع السلام» حرصت فيها على نشر فيديو يبين قراءة الجنود الأتراك لسورة الفاتحة قبل تحركهم، في إشارة إلى أن «الغزوة» إسلامية الطابع عثمانية المصدر، وذلك دليل على أن أردوغان مازال غارقاً في أحلامه!!

صحيح أن الاجتياح الثاني يتم بتفاهمات أمريكية روسية على الرغم من كل التصريحات المتشددة التي يطلقها ترامب إلا أن هناك خطوطاً حمراء تم التفاهم حولها أكدت فيها واشنطن أن تركيا -إلى الآن- لم تتخطها!! فالولايات المتحدة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لتركيا كي تتوغل بعمق 5 كيلومترات فقط لتأمين حدودها إنما النوايا التركية هي عمق يمتد 30 كيلومتراً، والإغواء الأمريكي واضح هنا حين سحبت القوات الأمريكية قواتها وتركت لأردوغان «تقدير» المسافة!!

الكاتب التركي، إسيدات إرجين يتحدث عن تعقيدات وتحديات للمنطقة الآمنة تتمثل بالديموغرافيا السكانية في المنطقة، لافتاً إلى أن المنطقة الواقعة إلى الشرق من الفرات هي جغرافيا تضم سكاناً أكراداً في عدة مناطق، وآخرين من السكان العرب، وآخرين خليطاً، ولفت في مقال له على صحيفة «حرييت» التركية، إلى أن الفروقات الديموغرافية شرق الفرات تجعل إنشاء منطقة آمنة أكثر صعوبة.

يبدو أن التفاهمات الروسية التركية في عفرين ستتكرر في البلدات على الشريط الحدودي الذي ستجتاحه تركيا فلا حكم ذاتياً للمنطقة إنما تهجير للأكراد وتوطين للعرب السنة ومجالس محلية تحت سيطرة النازحين، أي تغيير ديموغرافي يبعد الأكراد وميليشياتهم عن الحدود، وكان أردوغان قد وعد الأمم المتحدة في كلمته الشهر الماضي أنه سيبني للنازحين 140 قرية ويعيد إحياء 10 مناطق سكنية ومدارس ومستشفيات، للتذكير يعاني الاقتصاد التركي من ضغوط شديدة تضاف لها هذه التعهدات!!

لكن أردوغان يحذر الاتحاد الأوروبي أنه في حال إدانته أنه سيطلق اللاجئين السوريين باتجاه الدول الأوروبية كي يتحملوا هم مسؤوليتهم، والجدير بالذكر أن تركيا تشهد أعمال عنف تجاه اللاجئين السوريين في الآونة الأخيرة.

أما التحدي الآخر الذي سيواجه أردوغان هو مسؤولية أسرى داعش، إذ يؤكد الباحث ويل تودمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «csis»، وهنا تبرز مخاوف عودة «داعش» للظهور، فبما أن «قسد» القوات الكردية ستركز جهودها على مواجهة الهجوم التركي؛ فإنها ستضطر لسحب قواتها من المناطق التي شهدت تصاعداً في هجمات خلايا «داعش»، ومن المناطق التي تشهد توتراً بين العشائر العربية و»قسد»، وقد يترتب على الهجوم التركي إطلاق سراح نحو 12000 ألف سجين داعشي، وعشرات الآلاف من عوائلهم التي تقطن مخيمات ومناطق تسيطر عليها قوات «قسد». وكان تنظيم «داعش» قد دعا عناصره للعمل على تحرير المحتجزين في السجون والمخيمات التابعة لقسد، في حين أكد البيت الأبيض أن تركيا ستتولى المسؤولية عن سجناء ومحتجزي «داعش»، إلا أن احتمالات تسليم المخيمات من قبل الكرد للأتراك تبدو ضعيفة، وقد يترتب على العمليات العسكرية نتائج وخيمة على الصعيد الإنساني، إذ يمكن أن تفضي إلى تشريد أكثر من 758 ألف سوري يسكنون في المناطق الحدودية، وقد تشرد بعضهم أكثر من مرة خلال فترة الصراع، ويحتمل أن ينزحوا مرة أخرى جنوباً من المناطق الحدودية إلى المناطق ذات الغالبية العربية، أو أن يضطروا لعبور الحدود إلى العراق الذي يعاني من احتجاجات ومظاهرات واسعة، في حين تخطط تركيا لإعادة توطين أكثر من مليون لاجئ سوري؛ «مما سيؤدي إلى حدوث تغير ديموغرافي وعرقي يمكن أن يتسبب بمزيد من انعدام الاستقرار». «المصدر «المرصد الاستراتيجي».

خلاصة القول؛ العملية ليست سهلة كما يتخيلها أردوغان، وقد تكون فخاً نصب لاستدراجه وإغراقه في مستنقع يصعب الخروج منه، وهو الذي يريد تلميع صورته المنهكة في الداخل التركي استعداداً للانتخابات القادمة وتعويض هزيمته النكراء في الانتخابات البلدية.