مع كل تلك الضيقة التي يعيشها، وكل هذا الاختناق الذي يصعب عليه حياته اليومية مع بعض الشعور غير المريح، لربما يكون وسواساً قهرياً أو ربما يعاني من مرض نفسي ويحتاج إلى مساعدة لكنه متردد في الإفصاح عما في داخله، أو حتى يخاف من الإفصاح بذلك لأقرب الناس إليه لأنه يخاف ردود فعلهم أو سماعه لكلمات مثل «عن الدلع» «شهالخرابيط» فيعود إلى قوقعته سامحاً لهذا الغول النفسي أن يسيطر عليه ويهزمه.

تقول أحدهم «عندما كنت في السابعة عشرة من عمري ظهرت علي عوارض الاكتئاب، ولم أكن أدرك ماهية عوارض هذا المرض، ولكن تفاقمت المشكلة إلى حد كبير فأصبحت إنسانة غير تلك التي أعرفها وأقوم بتصرفات لا أجد لها مبرراً، مما دفع بأهلي إلى عرضي على «معالج شعبي» يدعي المعرفة والقدرة على شفاء مثل هذه الأمراض سواء من خلال القراءة أو الكي «الجواي»، ولا يمكنني ما حييت أن أنسى تلك المعاناة التي عشتها والمحنة التي مررت بها، فقد قام المعالج بضربي بشدة، وبشكل مخيف على كافة أنحاء جسمي الهزيل، اعتقاداً منه بأنَّ الجن قد ترك كل هذا العالم وقرر أن يسكن جسدي الهزيل، وقد كان لذلك أثر كبير في تدهور حالتي البدنية والنفسية إلى أسوأ مما كانت عليه، وعندما رأت والدتي الكدمات التي على جسدي سمعت نصيحة أختها وقررت أن تأخذني لمعالج نفسي وكأنني قد أجرمت وجلبت العار لنفسي وعائلتي، فالجميع يخاف أن يوسم بأن ابنته تذهب لمعالج نفسي بسبب الاعتقاد السائد أنه مكان للمجانين، وها أنا بعد جلسات مطولة من العلاج عدت لتفوقي وعلى رأس عمل مع حياة عائلية سعيدة».

لم يأتِ حكم المجتمع على الطب النفسي من فراغ، وإنما هو حصيلة الاستغلال السيء لبعض الأطباء لهذه المهنة الشريفة، حيث يتعمد البعض إعطاء المريض الأدوية التي تسبب الإدمان كي لا يتوقف عن مراجعته ويستمر في حصد الأموال على نفسية هؤلاء المرضى، مما يؤدي إلى تدهور حالته الصحية بشكل واضح وينتهي به الأمر غالباً بالعيش في ظل الأدوية أو كما كان يحدث في السابق بالانتحار أو الانتهاء بمستشفى المجانين، كما لا ننسى كمية القضايا التي تم تسجيلها بشأن تحرش الطبيب النفسي بمرضاه واستغلال لحظات ضعفهم لإشباع رغباته المريضة مع يقيني بأن تلك التي لم تسجل هي الشريحة الأكبر.

لكن ما نعيشه اليوم من وعي جميل لجيل قادم مدرك لمخاطر هذه الأمراض ولا يتردد في طلب المساعدة كون الكثير من الشجعان الذين شاركونا تجاربهم قد ألهمتهم وسهلت عليهم عملية التغلب على هاجس المجتمع و»كلام الناس» حتى تقدموا لطلب المساعدة ولكنهم يصابون بصدمة من نوع آخر، وهي الأسعار المبالغة لجلسات العلاج النفسي، في العيادات الخاصة، والتي يلجأ لها المرضى لأن مواعيد العيادات النفسية الحكومية تكون بعد سنة أو 6 شهور في أحسن الأحوال، وفي تلك الفترة التي ينتظر فيها المريض موعده مع طبيبه النفسي الحكومي، نستطيع أن نجزم أن المرض النفسي قد تغلب عليه وأصبح علاجه أصعب!!

ولكن يبقى السؤال المطروح للمعنيين في وزارة الصحة هل يحتمل المريض النفسي أن تكون مراجعته بعد سنة من وقت طلبه؟