تطور العالم وتطور معها الكثير من الجوانب التي باتت تلازمنا في أدق تفاصيل الحياة، وتحولت بعض الكماليات إلى أساسيات لا يمكن الاستغناء عنها، ومن تلك الكماليات هي منصات التواصل مثل الانستغرام والتويتر والواتس آب والفيس بوك وغيرها، وإن كانت المنصة الأخيرة لا تشهد إقبالاً في الخليج كالبلدان العربية والأجنبية ولكنها موجودة وتحظى باستخدام البعض.

عموماً لست بمجال أن أتحدث عن الأفضلية بين تلك المنصات، ولكن الحديث هو مدى تفاعل الناس مع تلك المنصات من جهة، ومدى تأثير تلك المواقع الإلكترونية من جهة أخرى، فالمتتبع لبرنامج التويتر سيشهد كماً من الأخبار المتدفقة دون التأكد من صحتها أو مصدرها، ناهيك عن حجم اللغط التي تثيره عناوين البحث التي يطلق علها «هاش تاق»، والتي تعتبر وتسمى في الإعلام التقليدي الرأي العام، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، هل تلك العناوين والهاش تاقات باللهجة الدارجة الحديثة تعتبر مقياساً فعلاً للرأي العام، وهل تحمل بين طياتها توجهات الأفراد والجماعات، أم أنها حسابات وهمية تمرر ما تريد وفق أجندة معينة، أم أنها من بنات أفكار أشخاص كتبوها دون هدف معين.

لا أعتقد أن هذا هو السؤال المنطقي وإن كان منطقياً فهو يأتي في سياق موضوع آخر سنتطرق إليه لاحقاً، ولكن السؤال الأهم والأكثر منطقية الآن كيف استطاعت تلك التطبيقات وفي مقدمتها «تويتر» أن تؤثر على أداء جهات بعينها وتغير من أدائها وتفرض على مسؤولي العلاقات العامة بها من الرد والتواصل والمتابعة لكل ما يطرح على تلك الفضاءات، وكيف أنها أثرت على تفكير وتوجه جيل بعينه يعول عليه في المستقبل أن يساهم في بناء الوطن.

من وجهة نظر شخصية أرى بأن متابعة تلك المواقع تعتبر تحضراً وتطوراً لا غبار عليه، لكن ليس من الإنصاف أن يتم تصديق كل ما يطرح على الساحة الإلكترونية من مواضيع وإطروحات، فهناك من يكتب بهدف التجني، وهناك من يكتب بغرض التهجم والبعض الآخر يعمل على الدفاع، وغيرهم يحاول إشعال نار الفتنة خاصة إذا كان الموضوع يمس الطوائف والأديان، ومن الصعب مراقبة الجميع والرد على الجميع والتحقق من الجميع.

الواجب ونحن نعيش في هذا الفضاء المفتوح والذي يحمل في سمائه الغث والسمين، أن نعمل على تثقيف الجيل الجديد ونزرع له بستاناً من المضادات الطبيعية لتلك المواقع أو بالأحرى للمغردين على تلك المواقع الإلكترونية والتي يتخذها البعض كسلاح في حربه البغيضة سواء على وطنه أو دينه لتحقيق مآرب شخصية سيئة أو حزبية دنيئة أو غيرها من الخزعبلات التي تحويها، لنجعل من البيت خطاً أول للدفاع، ومن المدرسة عنصراً رئيساً للتصدي وبعدها سيتدخل العقل وستنطق الحكمة وسيكون للقانون دور، ولكن أن نبقى صامتين في منازلنا لا نثقف أبناءنا ونتحاور معهم ونتركهم في هذا البحر العميق بلا حراك فتلك المصيبة، والمصيبة الأعظم أن تكون المدارس والمناهج الدراسية والتربوية بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش.

أقول لأولياء الأمور وباللهجة العامية «ربوا عيالكم»، والتربية المقصودة هنا لا تختلف عن التربية قبل عشرين عاماً، وإن كانت تربية الأولين يلازمها بعض الشدة ولكنها تؤتي ثمارها كثيراً، ربوا عيالكم كما تربينا ولكن مع إضافات تتناسب مع الجيل الحالي والتي تعتمد على مجاراتهم فيما يتابعون مع مواقع إلكترونية ومنصات تواصل اجتماعي، ثقفوهم بإنجازات الوطن حتى لا يقعوا فريسة للطامعين والمحبطين، دعوهم يبحرون في العالم الافتراضي ولكن نبهوهم إلى أنه لا يمت للواقع بصلة، شددوا عليهم بعدم الإنجراف خلف كل ما يكتب، فالبعض يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب.