إن ما يحدث من تظاهرات في عدد من الدول في الشرق الأوسط والتي بدأت مؤخراً بالسودان ثم اندلعت بالعراق وبعدها جاءت إلى لبنان، لا نعلم ما هي الدولة التالية؟ وكأن هناك شخصاً لديه «الريموت» ليحرك تلك الشعوب، ولا نعلم كذلك مصير تلك التظاهرات وما ستؤول إليه الأمور.

إن تحركات تلك الشعوب هي في الغالب إفرازات بما يسمى «الربيع العربي»، وأن الشعوب الواعية تنظر للمصلحة الوطنية على أنها هي الأساس في أي انتفاضة أو تحركات على المستوى السياسي، فمع تلك الثورات نلاحظ أن هناك مخططاً في الأفق بأن يكون للشرق الأوسط خريطة جديدة، قد رسمت من قبل الأستاذ البريطاني الأمريكي المتخصص في الدراسات المتعلقة بالشرق الأوسط «برناد لويس» الذي ذهب إلى تقسيم الدول إلى دويلات لإضعافها، وحتى لا ننشغل في هذا التقسيم الذي أصفه بـ «الغبي»، لأن ذلك التقسيم مبني على أن يكون طائفياً وعرقياً قبل أن يكون تقسيماً مبنياً على مصالح اقتصادية.

فالمتتبع لجميع تلك التظاهرات في بعض الدول العربية يجد أن الأسباب هي واحدة ومعروفة وهي آلية توزيع الثروات، وفي المقابل هناك بعض رؤساء دول لم يتحركوا لمصارحة شعوبهم بالواقع، لأن الابتعاد عن الشعوب يولد فجوة كبيرة، وأن تكون تلك الحكومات لا تستمع لمواطنيها سيجعل الثورة هي الحل الأمثل لإرضاخ السلطة للنزول والاستماع لوجهات النظر.

وبالتالي ومن خلال الدراسات الاستراتيجية وخاصة في كتاب «سيكولوجيا الثورات» لعالم النفس غوستاف لوبون فإن الثورات تنطلق بخيط وتنتهي بإشعال الدولة، فهي مسألة تراكمات وليست محض الصدفة، بمعنى أن تلك التظاهرات بالدول العربية لديها مسبباتها في أن تكون بهذه الطريقة، ولكن هل الشعوب المتظاهرة دوماً على حق؟ أم أنها أصبحت مجرد أدوات لعملية التقسيم الغبية التي رسمها الغرب في الأراضي العربية؟

إن الدول العربية تزخر بالخيرات التي من الله عز وجل عليها بها، وفي ظل عدم الدراية الكاملة بإدارة تلك الثروات تحولت تلك الأراضي إلى ثورة من الغضب من قبل بعض شعوبها، وبالتالي اليوم بعض الحكومات العربية يجب عليها أن تتحرك ولا تجعل لهذا المخطط أن يستمر في تمزيق الصف العربي، أي عليها أن تعمل في خدمة شعوبها وأن ترسم سياساتها المستقبلية على المصارحة، وأن تستغل الإعلام ليكون وسيلة نقل وجهات النظر المختلفة، فنحن أمام تحديات مهمة في الفترة المقبلة، فالانتخابات الأمريكية قد تفرز لنا رئيساً من قبل الحزب الديمقراطي مما يعني تغييراً في السياسات الدولية.

التظاهرات الحالية مهما كانت أسبابها فهي تعبر عن وجهات نظر قد تكون صحيحة أم خاطئة، ولكن ما يهمنا أن لا تفرز تلك الثورات تغيراً ديمغرافياً بالوطن العربي، فاللاعبون الدوليون تختلف وجهات نظرهم ولكنهم أهدافهم واحدة وهي أن يكون الشرق الأوسط ساحة خلاف لا اتفاق، وساحة حرب لا سلام، وأن مصالحهم قد تنتهي فور حصولهم على مبتغاهم في السيطرة على تلك الثروات، وعلى الحكومات العربية أن ترسم استراتيجياتها لخدمة شعوبها وأن تتعلم من التجارب الناجحة في ذلك.