آمنت مملكة البحرين بأهمية التسارع والتطور في عصر المعرفة الرقمية، ما أدى إلى اقتصاد جديد يحتكم إلى قواعد عالمية جديدة وفق سياسات واستراتيجيات تلائم تحديات ومتغيرات الطفرة الالكترونية.

وشكلت التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، للحكومة بوضع خطة وطنية شاملة تؤمن الاستعداد الكامل للتعامل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، بتبني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الإنتاجية والخدمية، من خلال وضع الأنظمة اللازمة، واستكمال البنى التحتية التقنية للمشاريع، وتشجيع وجذب الاستثمارات النوعية، بما يضمن الاستفادة القصوى من نتاجات ذلك لرفد الاقتصاد الوطني، منارة للتفكير والبناء المتجدد، للحفاظ على تقدمها المدروس والمستمر في مختلف ميادين العمل والإنتاج، وانطلاقة متجددة للمستقبل.

وتشكل الثقافة الرقمية في البحرين، بيئة خصبة للانطلاقة نحو الاقتصاد الرقمي، فضلاً عن الكوادر الوطنية التي تتمتع بالكفاءة، وما قطعته البحرين من أشواط متقدمة في التطور الرقمي والتقني يتوافق مع الرؤية الاقتصادية 2030، حيث شهدت المملكة على مدى السنوات العشر الماضية، معدلات نمو إيجابية، وبنتائج مطمئنة ومشجعة، تؤكد سلامة الرؤية الاقتصادية، والمضي قدماً بكل جدية لتحقيق مستقبل أفضل للبلاد والمواطنين والأجيال القادمة.

ودشنت البحرين عصراً جديداً للبيئة الرقمية الإلكترونية، حيث تنبأت بأهمية التحول الإلكتروني والرقمي أولاً، وأطلقت الحكومة الإلكترونية العام2007، كإحدى أولى الدول في المنطقة والعالم، لتصبح من خلالها رائدة في هذا المجال عربياً وعالمياً، وتحصد الحكومة الإلكترونية، المركز الـ26 عالمياً، والخامس آسيويا بحسب تقرير الأمم المتحدة، لتكون النواة الأولى للانطلاقة الرقمية في البحرين، التي شكلت بذرة الانطلاق للاقتصاد الرقمي.

وهيأت البنية التحتية التي تعتبر من أهم أسس التطور التكنولوجي، ما جعلها في ريادة الدول المتقدمة في الاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة، حيث أحرزت البحرين المركز الأول عربياً والحادي والثلاثين عالمياً في مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (IDI) بحسب التقرير السنوي لقياس مجتمع المعلومات، الذي أصدره الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) نهاية العام 2016.

ولترسيخ خطوات الانطلاقة نحو الاقتصاد الرقمي، تبنت الحكومة سياسة "الحوسبة السحابية أولاً"، للاستفادة من هذه الخدمات المتطورة إلكترونياً، ورفع مستوى الكفاءة الحكومية في مجالات الإنترنت، ما أدى لانطلاقة كبيرة في هذا المجال، عززت مستواها العالمي، وقدراتها على التطوير في الأداء.

ولا يمكن الحديث عن الحوسبة السحابية في المملكة، دون المرور بتدشين شركة أمازون العالمية، لمركزها (AWS) في الشرق الأوسط ومقرها البحرين، حيث أعلنت منتصف العام الحالي افتتاح مراكز بياناتها في الشرق الأوسط بالبحرين.

وتسمح هذه الخدمات للمطورين والشركات الناشئة والحكومات والشركات الكبرى والمؤسسات التعليمية وغيرها الاستفادة من تقنيات الحوسبة السحابية المتقدمة التي تقدمها السحابة الرائدة عالمياً لتشغيل تطبيقاتهم وتقديم خدماتهم للمستخدمين النهائيين في مختلف أنحاء المنطقة من خلال مراكز البيانات الموجودة في الشرق الأوسط.

وتعتبر البحرين، من أوائل دول المنطقة التي تدشن خدمات الجيل الخامس من الاتصالات والإنترنت 5G، التي تعتبر ثورة رقمية في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، وتؤسس لجيل جديد في قطاع المعلومات والاقتصاد الرقمي في العالم.

واستمراراً لريادتها في هذا المجال، أصبحت البحرين من أول دول العالم التي تسن تشريعاً يعتمد تداول المستندات الإلكترونية متوافقاً مع القانون النموذجي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي المعروفة اختصاراً باسم "الأونسيترال".

وتستهدف هذه الخطوة تعزيز البنية التشريعية في المملكة، وزيادة جاذبية الاقتصاد البحريني للاستثمارات الأجنبية، كما تأتي في إطار سلسلة من الإصلاحات التشريعية الشاملة الرامية إلى دعم الاقتصاد الرقمي في أسواق الخليج البالغة قيمتها 1.5 تريليون دولار، بحسب تقرير نشرته KPMG .

كما تعمل البحرين حالياً على تحويل أول مدرسة في البحرين وهي مدرسة الهداية الخليفة، إلى جامعة تقنية تقدم برامج البكالوريوس في الذكاء الاصطناعي والطاقة.

وعلى صعيد آخر، دعمت البحرين التوظيف الأمثل للخدمات المقدمة، كالتقنيات الناشئة والإبداع والابتكار حيث واكب مصرف البحرين المركزي هذا التطور الهائل، ضمن مساعيه لتسهيل الحصول على الخدمات وتوفيرها للمعنيين من أفراد ومؤسسات مالية وتجارية. ولعل أهم ما قام به مصرف البحرين المركزي في هذا المجال، تدشين نظام تحويل الأموال إلكترونيا (EFTS) في العام 2015 بالتعاون مع شركة بنفت، ما أحدث نقلة نوعية في مجال المدفوعات والتحويلات الالكترونية المحلية، حيث تقوم الشبكة الخاصة بالنظام بعملية ربط جميع البنوك المحلية والجهات المصدرة للفواتير والسماح بتحويل مبالغ أو خدمة عرض وسداد الفواتير بصورة مجمعة.

وأطلقت البحرين أول تطبيق للمحفظة الإلكترونية للهواتف الذكية BenefitPay الذي تم تطويره من قبل شركة بنفت، ويوفر مجموعة من الخدمات التي تشمل دفع واستلام المبالغ المالية عن طريق الهواتف الذكية لكل من الأفراد والمؤسسات.

وبلغ عدد المشتركين في محفظة BenefitPay أكثر من 200 ألف حتى الآن وعدد المعاملات حوالي 2.5 مليون بقيمة تفوق 160 مليون دينار خلال الفترة من يناير 2019 حتى الآن، وساهمت هذه الخدمة في خفض تكاليف المعاملات المالية من 5 دنانير إلى 100 فلس.

وجرى إطلاق مشروع يوفر قاعدة بيانات مركزية تهدف إلى توفير متطلبات معرفة العميل إلكترونياً، التي يستوجب على جميع المؤسسات المالية المرخص لها طلبها من العملاء قبل الشروع في أي معاملة مالية e-KYC.

ونفذ مصرف البحرين المركزي إصلاحات تنظيمية لتسهيل عمل وانطلاق شركات التكنولوجيا الناشئة، ضمن مساعيه في تحقيق وترسيخ الثقافة الوطنية لتشجع على الابتكار، وريادة الأعمال بما يتوافق ورؤية المملكة لتصبح مركزاً للتكنولوجيا المالية في المنطقة، ومن أبرز الإصلاحات إطلاق البيئة الرقابية التجريبية في منتصف 2017، وإنشاء وحدة متخصصة في مجال التكنولوجيا المالية لدى المصرف.

كما أصدر مصرف البحرين المركزي توجيهات محددة بشأن "الخدمات المصرفية المفتوحة" التي تشمل خدمة معلومات الحساب المتمثلة بمنح العملاء إمكانية الوصول إلى بيانات جميع حساباتهم المصرفية من خلال منصة واحدة فقط وبشكل مجمع، إضافة للخدمة الجديدة المتمثلة بالقدرة على إجراء المدفوعات والتحويلات بين الحسابات المختلفة للعميل بشكل سلس وفعال، وكل ذلك يتم من خلال تطبيق واحد بالهاتف الذكي.

وإيمانا من مصرف البحرين المركزي بأن الخدمات المصرفية المتطورة ستعود بالمنفعة على الشركات والأفراد، اعتمد سياسة "الحوسبة السحابية أولا" حيث تم إعادة صياغة بعض القوانين للتوافق مع رؤية المملكة في التحول السحابي والتي من شأنها تسريع إنجاز المشاريع، وزيادة الإنتاجية وتحسين مستوى الأمن الإلكتروني، ورفع جودة الخدمات، كما بدأ المصرف التحول الفعلي للأنظمة لكي يكون مثالاً يحتذى من قبل المؤسسات المالية المرخصة. وأقر المصرف جملة من التشريعات المتعلقة بالحوسبة السحابية للمؤسسات المالية، كما عمل على توحيد المعايير والمواصفات المستخدمة لرمز الاستجابة السريعة الخاص بالتاجر QR Code والمستخدمة في أنظمة الدفع للبيع بالتجزئة في البحرين.

وعلى صعيد آخر، فإن البحرين تسعى حالياً إلى توطين الـ"بلوك تشين" وتعزيز استخدامها بما يتماشى مع احتياجات المؤسسات الخاصة والعامة، وتعزيز الاستفادة منها في تحفيز النمو الاقتصادي للمملكة.

وآمنت البحرين بأهمية الاستفادة من ريادتها في إطلاق تقنية الجيل الخامس للاتصالات، والقوانين والتشريعات المتطورة، والكفاءات الوطنية المؤهلة، وبما يخلق بيئة مناسبة من أجل جعل المملكة مركزاً إقليميا لتطوير الـ"بلوك تشين"، قياساً على النجاحات التي تحققت في مجال توطين صناعة "التكنولوجيا المالية Fintech".

وباتت تقنية الـ"بلوك تشين" تمثل ما يمكن تسميته "مستقبل الإنترنت"، ولها الأثر الكبير على قطاعات الأعمال والاقتصاد، والخدمات الحكومية وغيرها، خصوصاً في ظل الدراسات العالمية التي تشير إلى تنامي سوق هذه التقنية، وتوقع ارتفاع حجم سوق الـ"بلوك تشين" من 210 ملايين دولار في 2016 إلى 2.3 مليار دولار بحلول 2021؛ أي بمعدل نمو سنوي تراكمي يتجاوز 60%، بحسب البيانات الدولية.

وتؤكد هذه اللمحة السريعة من خطوات البحرين في هذا المجال، ريادة البحرين بين دول المنطقة للانطلاق نحو الاقتصاد الرقمي والاقتصاد المعرفي، فيما تعمل حالياً على خطوات أكبر بعد التوجيهات الملكية السامية التي أطلقها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وتبعتها مباشرة خطوات من الحكومة للبدء في تنفيذ التوجيهات السامية.