أرقام خطيرة كشفها النائب محمد عيسى العباسي في الصحافة مؤخراً، معنية بملف «بحرنة الوظائف» بناء على أرقام وإحصاءات تحصل عليها من الجهات المعنية في الحكومة.

في الوقت الذي طبقنا فيه «التقاعد الاختياري» وخرج كثيرون مستفيدين من هذه المبادرة التي تأتي ضمن «التوازن المالي» الذي نطمح إليه جميعاً، يفترض منطقياً أن نجد توظيفاً للبحرينيين مقابل التقليل من نسبة الأجانب الذين يشغلون وظائف حكومية. شخصياً كنت أظن أن عدد الأجانب قليل في أجهزة الحكومة المختلفة، باعتبار أن اللوائح الرسمية «الدستور وقانون الخدمة المدنية» ينصان على أن «الوظيفة العامة» تكون للمواطن البحريني، ويكون توظيف الأجنبي «استثناء» إذا لم يوجد شاغل لها من المواطنين.

لكنني صراحة صدمت بالرقم الذي كشفه النائب، إذ لدينا 7789 أجنبياً يشغلون وظائف في الأجهزة الحكومية، وغالبيتها وظائف يمكن أن يشغلها بحرينيون، وللأسف، فبعض حاملي الشهادات المطلوبة والمتخصصون عاطلون عن العمل! فهل يعقل هذا؟!

والمزعج في الموضوع أكثر أنه خلال 6 شهور ماضية تم توظيف 207 أجانب، بحسب ما أفاد النائب، ما يعني أن سياسة البحرنة تمضي بـ»المقلوب»، وهذا أمر غير مقبول، خاصة وأن ما كشفه النائب من حجم الرواتب التي تصرف مرتفع جدا، ويصل في حالات إلى 4 آلاف دينار، والحد الأدنى يقارب الـ1400 دينار! وهي وظائف أجزم بأنه لو تمت «مقاربتها» مع مواطنين يشغلون نفس المواقع لكان هناك اختلاف واضح وفاضح في الراتب!

تخيلوا وظيفة مثل «اختصاصي برامج هندسية» يشغلها 14 أجنبيا رواتب الواحد منهم تتجاوز الـ3 آلاف دينار! والسؤال: أليس لدينا مهندسون بين المواطنين؟! ألا يوجد عاطلون يحملون شهادة الهندسة؟! هناك 90 أجنبيا يشغلون وظيفة «فني» ورواتبهم تقارب 1400 دينار، بحسب ما كشفه النائب! ووظيفة «رئيس مجموعة» يتراوح راتبها من 2500 دينار إلى 4300 دينار، ووظيفة «رئيس قسم» براتب 6 آلاف دينار! وهنا فقط لنرجع لجدول الوظائف الاعتيادية والتنفيذية في البحرين لنرى هذه المسميات «رئيس مجموعة» و»رئيس قسم» كم تصل سقوف رواتبها بالنسبة إلى المواطنين.

أما الصدمة بالنسبة إلي، حينما نكون في البحرين وهي دولة قامت على عدة صناعات وحرف من ضمنها «الزراعة»، وحينما يكون لدينا وظائف للأجانب مثل «اختصاصي بستنة» وراتبها 1400 دينار، ماذا يمكننا القول هنا؟! هناك آلاف الذين يشتغلون في الزراعة، بل يبدعون فيها من أبناء البحرين، فأين هذه الوظائف منهم؟!

جيد أن الأرقام المعنية بالعاطلين متوفرة، إذ حين نعرف بأن هناك 360 مهندساً عاطلاً عن العمل، و237 حاملاً لشهادة البكالوريس في تقنية المعلومات والحاسب الآلي وهم عاطلون أيضاً، بالتالي هناك وظائف عديدة يشغلها الأجانب، يمكن «إحلال» البحرينيين فيها فورا. لن نتحدث عن القطاع الخاص الذي يسيطر عليه الأجانب بعدد 486 ألفا مقابل 93 ألف بحريني، لأن هذا الملف لوحده قصة أخرى، لكن الحديث عن الوظائف الحكومية يستدعي وقفة جادة، إذ كيف نصل لهذا الوضع، وفي نفس الوقت نتغنى بشعارات «البحرنة»؟!

هل يزعجكم هذا الكلام؟! نعم نعرف هذا، لكنه يزعجنا نحن المواطنين أكثر، حينما نرى أبناء البحرين فيهم من العاطلين حاملي الشهادات يعانون في البحث عن وظائف، حينما أرى البحريني يعمل في أي وظيفة، مثل بائع في المطاعم، أو يعبئ خزانات الوقود، وكلها وظائف لا تنتقص منهم، لأن العمل شرف، لكن المؤلم حينما نرى الأجنبي هو المرتاح والمستفيد وفي وظيفة حكومية، ويعيش أفضل من ابن البلد.

والمثل بات يصدق أكثر يوماً عن يوم، «عذاري» التي نعشقها، باتت بالفعل تسقي البعيد وتنسى القريب، وهنا ستعرفون السبب بشأن التقارير التي تصدر بين فترة وأخرى وتصنف بلادنا على أنها «ثاني أفضل الدول لمعيشة الأجانب»!

لمن يعنيهم الأمر من أصحاب القرار، نرجوكم صححوا مسار هذا الملف، فما للبلد إلا ابن البلد، و»ما يحك ظهرك إلا ظفرك»!