الأيام الماضية أراها «ثقيلة» على نفس كل «مواطن مخلص» يحب البحرين وقيادتها، ويريد الخير لأهلها، ويبحث عن العدالة وإحقاق الحق فيها.

إذ لم يجف الحبر بعد عن ما كتب بشأن «ملف توظيف الأجانب» بأرقامه المخيفة، وتداعيات تصريحات النواب وجلستهم التي فتحت الملف واسعاً ومدى تأثيره الكبير على البحرينيين، حتى بدأت «مقتطفات» من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية بالانتشار يوم أمس بعد نشر صحافتنا لملاحظات وردت في التقرير عبر منصاتها الإلكترونية ومواقعها وحساباتها.

هذا هو التقرير السادس عشر، والذي يفترض منطقياً أن يكون حجمه أصغر ممن سبقوه، باعتبار أن كل الجهات التي وردت عليها ملاحظات في التقارير السابقة قد تلافت أخطاءها، وعدلت أوضاعها، وأزالت المخالفات، وكذلك مع التوجه لتحقيق مشروع «التوازن المالي» بما يستدعيه من «تقليص للمصروفات وضبطها»، أي ما يعني أن الصرف المالي يتم بتصرف وتقنين وحساب وتدقيق، لكن للأسف الهدر المالي مازال واضحاً، ووصل لمراحل خطيرة جداً، إذ ترون من خلال بعض الملاحظات التي نشرت، كيف أن قرارات شخصية لأفراد في مناصب القرار أو مناصب تنفيذية، فيها تجاوزات للوائح الخدمة المدنية، وفيها صرف مبالغ لأفراد، وتعيينات بلا ضوابط، ومبالغ ضخمة تذهب لأجانب، بعضهم لا يتواجدون في البلد!

كلها أعتبرها «كوارث» وليست ملاحظات، وما نشر من أجزاء للتقرير يكشف لنا عن وجود «استهتار إداري» كما يصفه البعض ممن «يجملون» الوصف، لكنني لا أصفه سوى بـ«الفساد الإداري والمالي»، حتى وإن كان الخلل الإداري يتم «بدون تعمد» إلا أنه في تصنيف «الصواب والخطأ» لا يخرج عن كونه «فساداً» لأن فيه استغلال للسلطة لتحوير الأمور وتكييفها بحسب ما يريد المسؤول، لا بحسب ما ينص عليه دستور البحرين وقوانين التنظيم في الخدمة المدنية.

انزعجت بشدة وأنا أقرأ ما تم نشره، وأجزم بأن المواطنين أصابهم ضيقاً كبيراً، يضاف إلى الضيق الذي تولد بعدما نشر التقرير المعني بحجم الموظفين الأجانب في قطاعاتنا الحكومية، إذ ما نشاهده مضي في عملية الفساد الإداري والمالي في بعض الجهات، ملاحظات تتكرر بشكل مستمر، أوضاع خاطئة بعضها يتم «عن قصد» ولدي شخصياً شواهد على ذلك، ولدى الناس أيضاً شواهد، وأجزم بأن خط مكافحة الفساد «نزاهة» التابع لوزارة الداخلية فيه «بلاغات عديدة» عن حالات فساد مالي وإداري، إضافة لما تجود به أروقة المحكمة الإدارية من ظلم وتعسف وديكتاتورية من قبل بعض المسؤولين.

يمكنني أن أمسك كل نقطة في التقرير وأفصل كل واحدة منها في مقال، لكن هذا بالفعل يؤلم القلب، لسنا ممن يحب أن يرى بلاده تعاني من هكذا فساد، لكنه الواقع المؤلم، الواقع الذي هو نتيجة التأخر في «الضرب بيد من حديد» على رأس كل فاسد إداري ومالي، والقناعة هنا بأن من يستهتر بالعدالة في إدارته لقطاع منح الثقة والأمانة عليه، ومن استسهل صرف المال العام بلا وجه حق، أو وضع يده عليه، هؤلاء لا تجب فقط إقالتهم، بل يتوجب حبسهم إن اعتبرنا ما يحصل «خيانة للأمانة، وسرقة للمال العام».

الكرة الآن في ملعب النواب كجهة رقابية، عليهم أن يمسكوا بتلابيب هذا التقرير وألا يتركوه، وأن يحاسبوا الأخطاء الجسيمة فيه التي تدخل ضمن تصنيف «خيانة الأمانة» و«الفساد الإداري والمالي».

وكذلك أتساءل باعتبار أننا نمتلك تقريراً معتمداً منشوراً في الصحافة وسلم لكبار المسئولين في البلد والبرلمانيين، هل يحق لي كمواطن أن أستند على ما ورد في التقرير، وأقوم بالتبليغ عن حالات الفساد عبر خط «نزاهة»؟!

كلنا علينا مسؤولية في محاربة الفساد، وعلينا مسؤولية في الحفاظ على المال العام للدولة، ويشكر ديوان الرقابة المالية والإدارية على جهده، ومن هذا المنطلق فإن ندائنا الصادق والخالص نوجهه لـ«ميزان العدالة» صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، بأن يتدخل بصرامة لإنقاذ قطاعاتنا المتضررة من هذه التجاوزات ومن هذا الفساد، تدخل صارم يحق الحق وينتصر للإصلاح والنزاهة ومحاربة الفساد وهدر المال العام واللعب بمصائر الناس إدارياً، فسموه عودنا دائماً بأنه «المصلح» الذي لا يرضى بالخطأ، بل ينسفه وينهيه ويجتثه من جذوره، ويبدله بالإصلاح والعدالة والكفاءات التي تخلص للبلد ولا تخونه.

صاحب السمو أنت «المنقذ» لقطاعاتنا مما تعاني منه، عدالتك ونزاهتك وصرامتك هي «الأساس» الذي سيعطي تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية تأثيرها القوي المطلوب، في دعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله.