الدخول لسوق المبادرات، التي أخذت تنهال علينا حول أمن الخليج، يتطلب أن نرافق الشيطان في التفاصيل، فبعد مبادرة موسكو التي تعبر بصدق عن صعود الروسية الانشقاقيّة على العالم، باقتراح أن تدخل عشرات الدول مياه الخليج في مبادرة لأمنه يستمر تنفيذها عقداً من السنين، هلت علينا «مبادرة هرمز للسلام» لكن بقدر أقل من الفنتازيا الروسية. والمبادرة خطوة للحوار، رغم أن الحوار نفسه من المفاهيم المُربكة في العلاقات الدولية، فقد يراد له أن يكون فعالية فحسب وليس إجراءات، وقد يفتقد للمصداقية. والحق أن الإيرانيين لم يسبقونا في تدارس فكرة الحوار عبر مؤتمر أو مبادرة، بل نراهن أن كل منشغل أصيل بقضايا أمن الخليج مرت بباله فكرة الحوار الخليجي مع طهران. ففي 23 نوفمبر 2016 طرحت سؤالاً عن الشروط الخليجية الحقيقية للحوار مع إيران، وقد تصدى للإجابة على سؤالي وزير الخارجية الكويتي السابق د.محمد الصباح، ود.إبتسام الكتبي رئيس مركز الإمارات للسياسات:

https://www.youtube.com/watch?v=bJ6bIsbV1rE

ونورد ذلك لإثبات أن موضوع الحوار مع إيران وارد لدى الجانب الخليجي، مع الالتزام بعدم تجاوز حقيقة أن إيران لم تنفك عن الإلحاح في طلب التفاوض والمبادرات مؤخراً أكثر من الخليجيين. ففي فبراير 2017 أتت دعوات إيرانية للحوار لمعالجة أسباب القلق والعنف في المنطقة. وفي فبراير 2018 أعلن روحاني استعداد بلاده لمحاورة جيرانها بشأن أمن الخليج. وفي مايو 2019 اقترحت إيران توقيع معاهدة عدم اعتداء معهم. وفي أغسطس 2019 جاءت دعوة ظريف «أننا نرغبُ في إقامة علاقات مع دول الجوار، ولم نغلق أبداً باب الحوار مع جيراننا». وأخيراً وفي 2 نوفمبر 2019 الجاري تقدمت طهران بطرح «مبادرة هرمز للسلام» لتشكيل تحالف دولي لضمان أمن الخليج، ويضم إيران والسعودية والعراق والبحرين والإمارات وقطر وعمان والكويت، وينشط تحت رعاية الأمم المتحدة. وقد أرسل نص المبادرة لدول الخليج، وتقوم المبادرة على مبادئ رئيسة هي: عدم التدخل في شؤون الغير، وعدم الاعتداء، والالتزام بأمن الطاقة، والاحتكام إلى القانون الدولي. وهدفها هو الارتقاء بالسلام والتقدم والرخاء لكل الشعوب المستفيدة من مضيق هرمز، وتأسيس علاقات ودية، وإطلاق عمل جماعي لتأمين إمدادات الطاقة وحرية الملاحة.

ولصد هجوم جحافل شعارات الود والسلام والأخوة الإسلامية وحقوق الجيرة الإيرانية رافقنا الشيطان في بحث تفاصيل دعوة مبادرة هرمز. ومن يمر على الدعوات الإيرانية لن يجد إلا الغرق في الانطباع بالنزعة الإنسانية للسلام، لكن كل ما يحسب من إيجابيات لطهران لا قيمة له لو أعيدت الدعوات لسياقها الزماني، ففي كل دعوة كانت طهران إما تحت الضغط الأمريكي، أو تحت الضغط الدولي، أو تعاني من انتكاسة أطرافها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان. كما أن طهران تعرض المبادرة تحت الانطباع أنها تأتي من نقطة قوة بعد الهجوم على أرامكو. ورغم كل ذلك لم تقفز دول الخليج في خنادق سلبية تجاه مبادرة هرمز هذه فقد رحب بها البعض، ولم ترفضها دولة خليجية حتى الآن، كحديث أنور قرقاش عن خفض التصعيد مع إيران وكتأكيد السعودية على النهج الدبلوماسي ورفض خيار الحرب، ثم كشف رئيس وزراء العراق عن استعداد السعودية وإيران التفاوض.

* بالعجمي الفصيح:

ليست مبادرة هرمز للسلام إلا محاولة لتسويق طهران كعنصر مقبول إقليمياً تمهيداً لخطوة لصالحها تجاه واشنطن والغرب، ولا نعلم كيف قدرت إمكانية تولى دول الخليج أمنها بنفسها من دون حليف أجنبي، من باب أن وجود القوات الأجنبية يعرض الاستقرار للخطر، ففي ذلك قلب للأمور، فتلك القوات الأجنبية لم تأتِ إلا لوقف اجتياح طرف للآخر.

* كاتب وأكاديمي كويتي