تناقض إيراني غير مفهوم، ففي الوقت الذي يركز فيه إعلام النظام الإيراني على مشروع السلام المزمع ودعوة دول الخليج العربي إلى التوافق والاتفاق بغية إنهاء حالة عدم الثقة التي تسبب فيها منذ تمكنه من السيطرة على الحكم في إيران وإنهاء حالة عدم الاستقرار والتوتر يعلن قائد ميليشيا الحرس الثوري حسين سلامي أن لدى النظام «مخزوناً صاروخياً زائداً عن الحد»، فكيف لنظام يقول إنه يسعى إلى السلام وهو مستمر في إنتاج الصورايخ ويقول إنها من الكثرة بحيث زادت عن الحد؟

التفكير المنطقي يدفع إلى الاعتقاد بأن النظام الإيراني يبحث عن طريقة «يصرّف» بها ذلك الزائد من الصواريخ، سواء ببيعه أو باستعماله وأنه يوجه تهديدات إلى دول الخليج العربي مفادها إن لم تقبلوا دعوتنا وتثقوا فينا فإننا سنرسل إليكم الصواريخ الزائدة عن الحد، مباشرة أو عن طريق الميليشيات.

التناقض الآخر هو في الداخل الإيراني، ففي الوقت الذي يستمر فيه النظام في إنتاج الصواريخ ومختلف أنواع الأسلحة تعاني إيران من مشكلات اقتصادية عويصة، زيادة معدلات البطالة وارتفاع شديد في الأسعار أديا – حسب العديد من التقارير الدولية – إلى احتجاجات فئوية وشعبية. وحسب تقرير ألماني فإن البنك الدولي ذكر في أحدث تقرير له أن «مستوى النمو الاقتصادي الإيراني بلغ – 6 % خلال العام الجاري وأن المتوقع أن يتدنى لنحو – 9 % في العام المقبل.

سلامي لم ينتبه إلى أن تصريحه بشأن زيادة أعداد الصواريخ التي يقول إنها زادت عن الحد يسيء إلى النظام الإيراني، فهو يؤكد بأن هذا النظام هو الذي يوفر الصواريخ ل»حزب إيران في لبنان» ولميليشيات الحوثي في اليمن وللميليشيات الأخرى في سوريا والعراق وغيرهما، ويوصل رسالة سالبة عن مشروع السلام الذي يتحدث عنه النظام ويسوق له، فالسلام لا يتحقق في ظل وجود صواريخ فاقت الحد ولم يعد لدى منتجيها مكان لتخزينها، والأكيد أنه لن يقوم بتدميرها.

تناقض آخر يتمثل في قيام النظام الإيراني أخيراً بإجراء مناورات تدريبية على مواجهة المتظاهرين في الشوارع وقمعهم نفذتها مؤسسات أمنية وعسكرية تزامناً مع الاحتجاجات في العراق ولبنان، وهو ما أكدته وكالة أنباء «مهر» الحكومية التي نشرت صوراً لما قالت إنها «مناورات أجرتها منظمة الدفاع السلبي التابع للقوات المسلحة الإيرانية» في بعض المدن. فلو أن النظام الإيراني كان صادقاً في دعوته إلى استقرار المنطقة والسلام لقام بدلاً عن هذا بردم الهوة بينه وبين الشعب الإيراني بدلاً عن الاستعداد لقمعه لو أنه تأثر بما يجري في العراق ولبنان والذي هو أمر متوقع بل محتوم.

النظام الإيراني يعاني وسيعاني أكثر خصوصاً بعد أن انكشفت أوراقه في العراق ووصلت ممارساته وتدخلاته فيه إلى الحد الذي ضج منه الشعب العراقي فهاجم قنصليته في النجف ومسح اسم الخميني من أحد الشوارع ووضع له اسما ينتصر به لشهداء تشرين الذين يعتقد جل الشعب العراقي أنهم قتلوا برصاص النظام الإيراني وميليشياته.

منطقاً، في ظل التطورات التي يشهدها العراق ولبنان يصعب التجاوب مع دعوة النظام الإيراني ل»السلام» مع دول الخليج العربي، بسبب قيامه بقمع المتظاهرين في العراق ولبنان، وبسبب إعلانه الصريح عن وجود كم هائل من الصواريخ لديه زائدة عن الحد.

النظام الإيراني يعتقد بأنه سيتمكن من قمع المتظاهرين في العراق ولبنان مثلما تمكن من قمع المتظاهرين في المدن الـ 120 الإيرانية العام المنصرم، يعزز من اعتقاده هذا وجود فائض من الصواريخ التي يصنعها ويطورها لديه، والمثير أنه يعتقد أن دول الخليج العربي ستقبل دعوته وستثق فيه، وليس بعيداً أنه يؤمن بأن هذا هو مطلب هذه الدول ومناها.