بدا واضحاً للعالم أجمع كيف أن الخيال العلمي في السينما والرواية لم يكن مجرد رؤية استشرافية للمستقبل بقدر ما هو أسلوب تحضيري لما هو قادم، وهو أمر إن لم يتبين لسنوات طوال مضت إلاَّ لبعض المطلعين والمحللين في المجال، فهو اليوم واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، بما لا يدع مجالاً للشك أو لطرح الاحتمالات حول غايات الخيال العلمي ومآلاته، في ظل ذلك التسارع وتقلص الفجوة الزمنية بين عرض الأفكار وتنفيذها على أرض الواقع.

إن مادة خصبة ماتعة كأفلام وروايات الخيال العلمي، أصبح الجميع يحرص على مشاهدتها أو قراءتها، من الضرورة بمكان الوقوف عليها بوعي يتناسب مع حجم أهميتها وحجم ما تقدمه من معلومات حول المستقبل القريب، بل ودراسة ما تحمله من مضامين ليس على مستوى النخب الثقافية وحسب، بل حتى من قبل العامة من الناس، فذلك أمر لا يتعلق بتخصص أو بمجموعة بعينها من البشر، فإن أغلب ما يطرح من «تنبؤات» مستقبلية اليوم، متاح للعامة من الناس فيما بعد، وأعني بذلك التطور التكنولوجي وما شاكله، هذا ناهيك عمّا قدمته الأفلام لأصحاب الاختصاص في مجالات عدة يأتي في مقدمها السياسة والاقتصاد إلى جانب تحولات اجتماعية جمة حملها مفهوم العولمة وترجماته التي ضُمنت كثيراً من تلك الأفلام والروايات.

وبقدر أهمية رفع الوعي لدى الناس بالمستوى المنشود، لاسيما في أوساط المراهقين والشباب الذين يعدون الشريحة المستهدفة الأوسع لتلك المواد الأدبية والفنية، فضلاً عن كونهم المستهدفين الأوائل كقوة شرائية للتقنيات الجديدة لحرصهم الشديد على الانتقال للمستقبل ومواكبة العصر بروح مفعمة بالحيوية وخطى سريعة الاستجابة لكل المؤثرات من حولهم، لاسيما إن تم تقديمها في إطار دعائي وتسويقي يتناسب مع التركيبة النفسية لخصوصية المرحلة ومحاكاة غاياتها بخلق احتياجات جديدة على الدوام.

* اختلاج النبض:

إن أدب الخيال العلمي، بات مادة قابلة للتدريس، وإن لم نكن في الخليج العربي، بذاك المستوى المأمول في الصناعة السينمائية أو رواية الخيال العلمي، فلنكن كذلك على مستوى قراءتها على أقل تقدير، الأمر الذي بات يستحق الالتفات وعلى نحو جاد لأهمية تطوير مناهج اللغة العربية وتضمينها تقنيات الكتابة الروائية وخصوصية الخيال العلمي في الأدب، إلى جانب الاستفادة من إدراج مادة الإعلام في مدارس البحرين، بحيث التركيز على موضوعات التفكير الناقد للسينما والأدب وإكساب الطلاب مهارات التحليل والنقد، بما يتيح الفرصة للمجتمع للتعامل بوعي مع تلك المواد التي يتعرضون إليها. وكم هو جميل لو أضيفت مقررات في أساسيات البحث العلمي ومهاراته بالمدارس الإعدادية والثانوية، لتهيئة الطلاب في عمر مبكرة على مهارات البحث، ما يفضي للإجابة عن تساؤلاتهم حول كل ما يتعرضون له، برؤية ثاقبة ووفق أسس علمية صحيحة.