عندما يدخر المواطن المحدود الدخل مبلغاً صغيراً من المال، يبدأ في التفكير في استثمار هذا المبلغ، فيبحث عن فكرة مشروع صغير، فتجده يسأل من سبقوه في التجربة في تأسيس محل تجاري، ويستشير أصحابه ثم يقرر بدء هذا المشروع بخبرته المتواضعة في مجال الاستثمار، فينفق الأموال التي ادخرها بل ويزيد هذا المبلغ بمبلغ آخر مُقترض من بنك أو صديق أو قريب كل ذلك في سبيل تأسيس هذا المشروع الصغير. هذا المشروع قد يكون محلاً تجارياً أو مطعماً أو مقهى وغيرها، فينفق آلاف الدنانير لتهيئة المحل مثل: تصميم الديكورات، وتوفير المعدات والأثاث ناهيك عن دفع الرسوم بأنواعها، وكلفة استجلاب عمال مهرة أو غيره، فيبدأ المشروع متفائلاً متحمساً، وكم تراوده الأحلام الوردية في تحقيق الأرباح وفتح الفروع، وتوسع المشروع، وما هي إلا فترة من الزمن ليصطدم بواقع شرس وتحديات تفوق إمكانياته وخبرته المتواضعة، إنها شراسة المنافسة غير المنظمة، حيث يتم فتح محلات لها نفس النشاط التجاري في نفس الشارع وفي نفس المنطقة، فتصادر المنافسة غير المنظمة آماله، وتتحول أحلامه الوردية إلى كابوس الخسارة والإفلاس وملاحقة مُحصلي الديون، فيخسر مدخراته التي اجتهد في جمعها سنوات طويلة، وربما تكبد مرارة الديون. هذا هو حال المستثمر الصغير في أحيان كثيرة، فتأمل وضع أصحاب المحلات التجارية الصغيرة بالسير في أحد الشوارع التي تكتظ بالمحلات التجارية المتشابهة في النشاط التجاري مثل الشوارع التي تُسمى «شوارع الجوعي»، لتجد فيها عدة صالونات نسائية، وعدد من محلات شاي كرك، ومجموعة برادات صغيرة، ومحلات بيع خضروات وارصد ما شئت من محلات متشابهة في نشاطها متقاربة في موقعها، كل هذه المحلات تجدها في شارع واحد، فيسقط فيها من يسقط صرعى ضحية لمنافسة غير منظمة، ويصمد فيها من يصمد. إنك تجد مشهداً متكرراً في هذه الشوارع محلات تعلق إعلاناتها جديدة وتستعد للافتتاح، ثم ما تلبث إلا أن ترى تلك الإعلانات قد استبدلت بإعلان آخر وهو «المحل للبيع»، وما يلبث إلا أن يشترى هذا المحل من قبل مستثمر صغير آخر وتتكرر معه القصة نفسها، لقد ألفنا هذا المشهد المتكرر في مثل هذه الشوارع، محل يُفتح، ومحل يُغلق. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه من المسؤول عن تضرر هذا المستثمر؟!

إن حماية صغار المستثمرين بتنظيم المنافسة أمر له أهميته، وبدون هذا التنظيم قد يودي بأموالهم المدخرة إلى الضياع، ولا يقع الضرر على المستثمر فقط، بل يتجاوز تأثيره للإضرار بالاقتصاد بصورة عامة، فالمشاريع الصغيرة تسهم في الاقتصاد القومي للدول بنسبة قد تصل إلى 70%، وبالتالي يدفع بأصحاب المدخرات البسيطة للعزوف عن الدخول في مشاريع صغيرة خوفاً من ضياع مدخراتهم.

ويقصد بالمنافسة وضعية تنافس اقتصادي بين مؤسسات متميزة بصدد عرض نفس المنتج السلعي أو الخدمي داخل سوق واحد، تلبية للحاجات ذاتها، على أن تكون لكل مؤسسة نفس الحظ من الربح أو الخسارة. إن تنظيم المنافسة خاصة بين المؤسسات الصغيرة له أهمية كبيرة لعل أبرزها إنعاش تلك المؤسسات وبالتالي إنعاش الاقتصاد الوطني وتهيئة بيئة مشجعة للمستثمرين.

ومن هنا نتمنى تخصيص جهة معينة لتنظيم المنافسة فتضع التدابير لتنظيم وتقنين المنافسة بين المستثمرين لاسيما في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مثل إصدار دليل لتنظيم المنافسة، ووضع الضوابط والإجراءات التي من شأنها تنظم عملية المنافسة وأبرزها تحديد المسافات والمناطق بين المحلات التجارية المتشابهة في النشاط التجاري، والأهم أن تقوم تلك الجهة بطرح بديل للأنشطة التجارية المتشابهة، حيث تقوم بدور المنسق لطرح مشاريع متوسطة يشترك في تأسيسها مجموعة من صغار المستثمرين كأن تنسق لتأسيس مصنع صغير أو مشغل خياطة، أو مصنع تعبئة مواد غذائية أو غيرها فتنسق بين مجموعة من المؤسسين ليجمعوا مدخراتهم الصغيرة ليتشاركوا في التأسيس، فذلك من شأنه ازدهار قطاع الصناعات الخفيفة الأمر الذي سيعود على الاقتصاد الوطني بشكل إيجابي، إن مثل هذه المشاريع سيجنب صغار المستثمرين ضياع مدخراتهم لتأسيس محلات متشابهة في النشاط وتقلل من مخاطر خسارة رؤوس الأموال... ودمتم أبناء قومي سالمين.