منذ فجر التاريخ والإنسان يكافح للبقاء على قيد الحياة باحثاً عن الغذاء والأمان ليسد احتياجات الجوع ويأمن جوانب الخوف متلمساً طريقاً آمناً تتراكم فيه خبراته يوماً بعد يوم.

ولكن احتياج هذا الإنسان البدائي للعيش داخل تجمع بشرى كان هو الهدف الأساسي لكي يشعر بالاطمئنان، ولكن بذور التملك وحب السيطرة ظلت دفينة في هذا الجسد لم تفارقه حتى ارتوت بمياه الشعور التام بالأمان مع زيادة عدد سكان الأرض، حينها بدأ الإنسان يفكر في امتلاك أخيه الإنسان والاستيلاء على ممتلكاته حتى وإن كانت محدودة متواضعة.

ولكن يبقى أغلى ما يمتلكه الإنسان من أخيه هو حريته وإرادته وبالتالي تصبح الحرية هي أثمن ما يمتلك الإنسان والعبودية هي أسوأ ما مر على ظهر هذا الكوكب. يقول الكاتب والمفكر الروسي فالنتين كاتاسونوف في كتابه "من العبودية إلى العبودية"، أن العبودية مفهوم متعدد الأبعاد يمكن تلخيصه في ثلاثة أنواع..

الأول هو العبودية بمفهومها الكلاسيكي منذ القدم حيث امتلاك إنسان لإنسان آخر بموجب القانون، والنوع الثاني هو العبودية الاجتماعية الاقتصادية بمعنى أن يستولي إنسان على منتج إنسان آخر ويأخذ حصيلة نشاطه العملي والذهني، والنوع الثالث وهو الأكثر عمقاً وتأثيراً هو العبودية الروحية والفكرية والمقصود بها محاولة فرض قيم مادية ومعنوية من العادات والأفكار والتوجهات لفرد ما أو مجتمع ما على الآخرين من خلال الهيمنة الإعلامية والتأثير الدعائي النفسى.

والحقيقة أن البشر في عصرنا هذا أصبحوا يعيشون في ظل المحاور الثلاثة المذكورة سالفاً للأسف مع اختلاف المكان وطريقة الاستعباد، فبعد أن ظن الناس أن عبودية الامتلاك المباشر قد اختفت في ظل القيم الحداثية عادت إلينا على أيدي تنظيم "داعش" الإرهابي ومن يقفون وراءه وعلى أيدى جيوش نظامية تنتهك معاملة سجناء الحروب بالمخالفة لاتفاقية جنيف.

لقد أصبح هدف الرأسمالية العالمية المخيفة هو استعباد الأمم لإشباع نهمهم في جمع ما يمتلكون من ثروات وتكبيلهم بالقروض، هذه القروض اللعينة التي تهدف بالأساس إلى إبقاء المقترض رهينة لا يستطيع الفكاك منها وذلك بمحاصرته بفوائد الديون والتي تقترب في بعض الأحيان من قيمة الدين نفسه وكذلك رهن ممتلكاته في سبيل هذا القرض، إرادة الرأسماليين هي أن يبقى الجميع تحت السيطرة المطلقة وما القروض والديون إلا وسيلة للاستعباد، فرغبة الرأسماليين أفراداً وحكومات هي الحجز على الممتلكات ولا ترغب في أن يسدد المستدين دينه وذلك بتقييده بشروط شبه تعجيزية لأن الهدف هو الإنسان وما يمتلكه وليس سداد الدين.

لقد تحول الإنسان المعاصر إلى مجرد ترس صغير في ماكينة الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة التي أصبحت تحكم العالم بقوانين ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والهوان، ولا تحرر من ذلك إلا بقوانين الرحمة والعدل والمساواة الحقيقية، والرهان على ذلك سيبقى ببقاء عزيمة الشرفاء من أصحاب النزاهة والقيم الأخلاقية العظيمة المتحررة من بشاعة الظلم وخطيئة الاستعباد والطمع.