النظام الإيراني في مأزق حقيقي هذه الأيام، بسبب ارتفاع وتيرة الغضب العارم ضده التي تجتاح الشارع الإيراني، خاصة بعد قرار النظام رفع سعر البنزين ثلاثة اضعاف عن سعره السابق منذ منتصف الشهر الماضي.

هذا القرار من شأنه أن يعجل من إضافة المسمار الأخير في نعش هذا النظام، فهو قرار انتحاري وبمثابة إعلان حرب على الشعب الذي لم يجد سوى أن ينتفض ضده، وهو مستمر في ثورته منذ عام ونصف العام تقريباً، مطالباً بالحرية والديمقراطية وتحسين أوضاعه المعيشية التي انحدرت إلى أدنى مستوى، رغم الخيرات والثروات التي تملكها بلاده، ولكن هذا النظام استأثر بكل الخير، وبعثر ميزانية الجمهورية على ما يسمى بتصدير ثورته خارج الحدود، فكان ذلك على حساب معيشة الشعب الإيراني الذي عندما طالب بحقوقه المسلوبة، نكل به النظام أيما تنكيل.

صحيح أن الثورة ضد النظام مرت بمراحل، ولم تحقق النجاح المطلوب، سواء في ثورة 2009، أو ثورة يناير 2018، ولكن انتفاضة نوفمبر 2019 استثنائية، وغير مسبوقة كما وصفها متابعون بالشأن الإيراني، فهي لا تخص شرائح معينة من الشعب، بل تخص جميع أفراده بكل مكوناتهم وأعراقهم، بدليل أن 176 مدينة في جميع محافظات إيران منتفضة الآن ضد النظام، وهذا ما يميز هذه الانتفاضة عن غيرها، لذلك سيجد النظام صعوبة في احتوائها أو السيطرة عليها أو قمعها، رغم لجوئه إلى كل الوسائل القمعية خلال فترة النصف شهر الماضية، والتي نتج عنها قتل هذا النظام لقرابة 450 من المتظاهرين بشكل بشع وكارثي، وجرح أكثر من 4 آلاف مواطن، واعتقال 10 آلاف، وذلك وفقاً لتقارير معاقل الانتفاضة والشبكة الاجتماعية للمعارضة الإيرانية «مجاهدي خلق».

وبحسبة بسيطة ندرك مدى الدموية التي وصل إليها هذا النظام لكل من يعارضه، فوفقاً للأرقام السالف ذكرها، فإن عدد من «يستشهد» يومياً منذ بدء تنفيذ قرار رفع سعر البنزين وصل لقرابة 30 مواطناً إيرانياً، أما الجرحى بلغ عددهم 267 جريحاً في اليوم، وتم اعتقال 667 مواطناً يومياً، لدرجة أن النظام لم يجد سجوناً كافية، فلجأ إلى المدارس ليسجن الشعب الثائر.

تلك الأرقام والإحصاءات المخيفة هي فقط لفترة نصف شهر «15 يوماً»، وهذا يؤكد دموية هذا النظام الذي أراد أن يسلب من الشعب الفقير أمواله ليمنحها إلى جزء من الشعب، تحت مسمى «العدالة الاجتماعية» كما يدعي، وهو العذر الواهن الذي ساقه النظام حينما قرر رفع سعر البنزين، وفي هذا عجزٌ وتقاعس عن تحمل المسؤولية، واحتيال من النظام لنهب أموال الشعب المفلس أصلاً، فالمسؤول عن توفير احتياجات الشعب هو النظام الذي يحكمه، وليس المواطنين الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم.

ولكن لا غرابة في ذلك، فالنظام الإيراني قد يفتعل قرارات أخرى أسوأ من رفع البنزين، فهو لا يهتم بشعبه أبداً، ويبذر ميزانية الجمهورية على الثورة وتصديرها، فهذا الهدف الأسمى له، غير أن الأمور بدأت تفلت من قبضة هذا النظام الآن، سواء في الداخل أو الخارج، حيث يعيش هذه الأيام واقعاً مريراً ليس في صالحه أبداً، فالدول التي يتحكم فيها أو يسيطر عليها لم تعد مطواعة له كما كانت في السابق، فالعراق ولبنان ينتفضان وبقوة ضد إيران وعملائهما الذين لم يجدوا في النظام الإيراني الحضن الدافئ المعهود، لانشغاله بالداخل المتمرد والمنتفض ضده.

إن النظام الإيراني يعاني الآن من قسوة ردود الفعل ضده، وهذا منطقي فهو من أتى بهذا الفعل، وعليه أن يتحمل تبعاته التي لن تسير لصالحه، وقد يسيطر النظام على جزء من مكون شعبه كما حدث في ثورة 2009، ولكن كيف سيسيطر وسيحكم قبضته على ثورة وقودها كل الشعب بمختلف انتماءاتهم وثقافاتهم وأعراقهم؟ وإذا كان هذا النظام مستعداً لأن يقتل الشعب وينكل به، فالسؤال الأهم إلى متى سيستمر في ذلك؟