هارب من حكم صادر ضده من قبل سلطات بلاده وتتيح له «منظمات حقوق الإنسان الدولية» التحرك بحرية والتطاول على أسياده نشر أخيراً تغريدة ملخصها أنه في مقابل قيام العراقيين بإحراق القنصلية الإيرانية في النجف مرتين متتاليتين قام «الطلبة» الإيرانيون بوضع باقات من الورود أمام بوابة القنصلية العراقية في إيران بدلاً عن القيام بعمل مماثل، ونشر صورة تؤكد ذلك، ما يدعو إلى سؤاله عن «باقات النيران» التي أحرق بها أولئك «الطلبة» مبنيي السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران وتسببوا في قطع العلاقات بين البلدين؟

طبعاً مفردة «الطلبة» هنا ليس مقصوداً بها طلبة المدارس والجامعات الإيرانية ولكن عناصر المخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإرهابي الذين ينفذون الأوامر التي تصلهم من أعلى، وإلا لقاموا بحرق القنصلية العراقية أيضاً.

ما نشره ذلك الهارب المدعو عبدالحميد دشتي يسهل نعته بالنكتة ولكن ليس أي نكتة، فما كتبه يصنف في باب النكت «الوسخة» التي يراد من الترويج لها إظهار النظام الإيراني في صورة المسالم والحمل الوديع والحافظ لحقوق الجيرة، ولأن كل هذا غير صحيح لذا فإن أحداً لم يصدق أن ذاك الفعل هو ردة الفعل الحقيقية للنظام الإيراني، حيث ردات فعله الحقيقية تتسم عادة بالحماقة التي مثالها إضرام النيران في مبنيي البعثة الدبلوماسية السعودية.

الواضح هو أن الرد المماثل على إحراق قنصلية إيران في النجف ليس من مصلحة النظام الإيراني في الوقت الراهن وإلا فإن إحراق مبنى القنصلية العراقية في إيران مسألة في غاية السهولة وسهل تبريره والقول بأن ذلك ردة فعل طبيعية من «الطلبة» الذين غضبوا من إقدام العراقيين على إحراق قنصليتهم في العراق مرتين.

هناك أمر ما يريد النظام الإيراني الوصول إليه باستبدال قرار إحراق القنصلية العراقية في إيران بوضع باقات الورود أمام مدخل مبناها، والأكيد أن دشتي تلقى تعليمات من أعلى المستويات تأمره بنشر مثل تلك التغريدة والترويج لقصة أن نظام الملالي مسالم وأنه يرد على الإساءة بالحسنة وأنه لا يقبل بمثل هذه الأفعال (....)!

واقع الحال يؤكد أنه لو قام العراقيون الآن بإحراق مقار البعثة الدبلوماسية الإيرانية في العراق عشرات المرات فإن النظام الإيراني لن يفعل غير وضع باقات الورود في مدخل مقر البعثة الدبلوماسية العراقية في إيران، وواقع الحال يؤكد أن النظام الإيراني يوفر المبررات للعراقيين بممارسة مثل ذلك الفعل. ليس من مصلحة النظام الإيراني الآن الوقوف في وجه الشعب العراقي الغاضب والثائر على سلطات بلاده وعليه، لهذا فإنه يتغاضى عن الكثير.. ويعفو عن الكثير. هذا النظام يعيش اليوم حالة رعب لم يعشها من قبل في العراق من العراقيين، لهذا فإنه سيفعل كل شيء -وإن كان خارج ناموسه- كي يظل مسيطراً على ما هو مسيطر عليه حالياً في هذا البلد العربي الأصيل، والمتاح هو أن يلعب في ملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة واختيار رئيس الوزراء الجديد بل الرؤساء الثلاثة الجدد، ذلك أن شغل هذه المناصب من قبل من يتخذ من النظام الإيراني موقفاً سالباً ويعتبره مستعمراً للعراق من شأنه أن يخسر النظام الكثير ويؤثر سلباً على خططه الرامية إلى السيطرة على كامل المنطقة.

لهذا، ولهذا فقط يوجه عناصره الذين مثالهم عبد الحميد دشتي لينشروا مثل تلك التغريدات ويروجوا لفكرة أن النظام الإيراني متألم لما يحصل في العراق وأنه لهذا لا يأبه لإحراق مبنى قنصليته في النجف ويبرره ولا يرد عليه بالمثل وإنما يثني على سلوك «الطلبة» الإيرانيين بوضع باقات الورود أمام القنصلية العراقية في إيران.

هل يوجد في العالم نكتة «أوسخ» من هذه النكتة التي يروج لها ذلك الهارب؟