مواقف أردوغان من القضايا العربية لا تعبرعن أي نوايا حسنة وثبت ذلك منذ أن جاءت الثورة السورية التي وجدها أردوغان فرصة مناسبة لتحقيق ما عجز عنه من جاء قبله وأخذ في البداية يتدخل في القضية السورية مثل الذئب الذي يترصد بالضحية حتى يأتي الوقت المناسب للانقضاض عليها ويظهر نفسه أنه يريد أن يقف مع الشعب السوري.

هكذا كانت نوايا أردوغان تجاه السوريين ففي البداية أخذ يقيم المخيمات للمهجرين ويؤسس الخدمات للذين دخلوا تركيا حتى يبتز ليس أوروبا فقط إنما العالم بأكمله حيث منذ بداية الثورة السورية نصب أردوغان نفسه كرجل السلام وأخذ يتدخل في القضايا العربية باسم السلام حيث تدخل في أزمة الخليج العربي وانحاز إلى قطر وجلب السلاح والأموال منها وتدخل في قضية الشعب الليبي ووقف ضد مصالحه وفي إيران تدخل عندما فرضت عليها العقوبات الأمريكية ووقوفه مع الشعب السوري منذ البداية ليس حباً فيهم ولا شفقة عليهم ولكن ليجعلهم في يده ورقة رابحة يستخدمها متى تطلب الزمن ذلك وعندما جاءت الحاجة للعب بورقة المهجرين من الشعب السوري حينئذ قام بالتدخل في شمال شرق سوريا لتمرير مخططاته الاحتلالية بيد أن النهاية كانت سقوط القناع عن سلطان الزمان رجب طيب أردوغان حامي حمى الأوطان ومرشد الأخوان!

اليوم تثبت الوقائع أن تركيا أوقعت نفسها بين أرجل الفيل الأمريكي من جهة والدب الروسي من جهة أخرى على الأرض السورية. والتغيرات الأخيرة في السياسة الأمريكية والروسية تنبئ بأن كليهما استثمرا سياسات أردوغان المراوغة وأوصلاه إلى نصف البئر وقطعوا الحبل عنه إن صح التعبير لأن أمريكا التي كانت طيلة الأشهر الماضية تغازل تركيا وتعدها باستلام سوريا بعد الانسحاب وإقامة حدود آمنة لها تحت إشرافها تبخرت كلها اليوم بعد الإعلان الأخير عن إبقاء قوات أمريكية وأممية لحفظ السلام واستبعاد تركيا منها. ومن جهة أخرى فإن روسيا أيضاً غيرت مسار تصريحاتها بخصوص إدلب بعد سوتشي 4 وباتت تؤكد أنها ستجتاح إدلب قريباً، ويبدو أن روسيا جادة هذه المرة وأن المناخ الدولي بات مهيأ لها للقيام بالعملية العسكرية على إدلب التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» بشكل شبه كامل.

إضافة إلى ذلك فإن تصريحات سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي الأخيرة بدت مستفزة لتركيا والتي قال فيها إنهم لا يتفقون مع تركيا على أن الكرد إرهابيون وأشار إلى إمكانية أن تشارك الشرطة الروسية في الحدود الآمنة الأمر الذي يشير إلى أن هناك تفاهمات أمريكية وروسية حول شكل المنطقة المزمع إقامتها على الحدود السورية التركية. وأقل ما يمكن قوله عن أردوغان وسياسته طيلة فترة الأزمة السورية أنه «كذب الكذبة وصدقها» والأنكى من ذلك أن من ادعوا أنهم معارضة سوريا واحتموا بالمظلة التركية صدقوا الكذبة الأردوغانية على أنه سيدعمهم حتى إسقاط النظام وتباهوا بهذا اللاعب السياسي المحترف الذي يقفز بين المطبات السياسية ويهبط بالمظلات كلما احترقت أجنحته، حتى وقعوا هم أيضاً في الفخ الذي نصبه أردوغان في سوريا، بعد أن أوهمهم أنه جاء منقذاً لهم.

إن أردوغان الذي نصب الفخاخ ونشرها بعد أن موهها بالشعارات الإسلامية والخلافة في طول الشرق الأوسط وعرضه وجد نفسه يقع فيها، لأن الجميع بات يتقن نصب الفخاخ أيضًا، ودخل أردوغان الفخ السوري الذي كان قد أعده بنفسه، فهو لم يعد قادراً على الخروج منه دون خسائر، ولا على المتابعة فيه لتعقيداته. فحاول التملص من الفخ بصناعة فخ داعش الذي شارك في نصبه بين سوريا والعراق، لعله يساعد في تحقيق طموحاته في المنطقة، لكن انقلب السحر على الساحر، وهزمت داعش أمام قوات سوريا الديمقراطية وباتت مناطق شمال وشرق سوريا كاملة تحت سيطرة الأخيرة. فخاخه فيها لاصطياد الجميع، من العرب والكرد والنفط وخطوط الطاقة وما إن انهار الفخ الداعشي حتى وجد أردوغان أنه أمام الفخ الكردي الذي كان نتيجة حتمية لانهيار داعش، ونتيجة طبيعية لقدوم الروس والأمريكان إلى المنطقة. واليوم يتأرجح تغير موقف أردوغان من الشأن السوري وبات يعيش في دوامة لا يعرف الخروج منها، ولم يبق له مجال للمناورة بعد أن راوغ في كل المؤتمرات والتفاهمات وعصر كل مهاراته في تلافي محاصرة الروس له لأن الروس قد نفد صبرهم من مراوغة أردوغان في موضوع إدلب.

كلام اردوغان المباشر هذه المرة، رسالة إلى المحور الروسي - الإيراني - السوري أن ساعة الحقيقة حانت وأن حربه هي ضد النظام وضد هذا المحور، وهو بالتالي يريد التفاوض ونيل حصة من ترتيبات بعد الحرب ولا علاقة لكل ذلك لا بـ «داعش» ولا حتى بالأكراد، بل بمشروعه الذي يريد أن يخرج منه بما يحفظ ماء وجهه، وإلا فإنه يهدد بالذهاب إلى سياسة الهروب إلى الأمام، والمواجهة لتكون الحل الأخير حيث لن يدعه، باعتقاده، الغرب يواجِه الموقف وحيداً.