اختار الرئيس الإيراني حسن روحاني اقتراب موعد انعقاد اجتماع المجلس الأعلى لمجلس التعاون ليعيد نثر تصريحاته ودعوته لدول الخليج العربية والتي ملخصها «تعالوا نتصالح وننسى كل شيء.. نضع ما مضى وراء ظهورنا ونتحدث عن المستقبل» معتقداً أن ما جرى في الأربعين سنة الماضية من سوء سلوك النظام الإيراني يمكن حله ببساطة ويمكن لدول المجلس أن تتغاضي عنه بجرة قلم.

تبسيط الأمر إلى هذا الحد لا يخلو من إهانة، فأن يقوم النظام الإيراني بكل ما قام به في تلك السنوات التي قوامها أربعة عقود ثم يأتي ليقول ببساطة تعالوا ننسى ونتصالح يعني أنه ينظر إلى الأمور من زاويته هو فقط. لكن لأن المنطق يقول بأن ما فعله النظام الإيراني طوال تلك السنين لم يكن قليلاً ولا بسيطاً وتسبب في الكثير من الآلام وفي فقدان الثقة في هذا النظام لذا فإن الطبيعي هو ألا تتحمس هذه الدول لهذه الدعوة ولا تنظر إلى تلك التصريحات بجدية، خصوصاً وأن الغاية منها واضحة وهي باختصار محاولة الإفلات من الأزمة التي صار فيها النظام الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية ضد إيران وتزايد الاحتجاجات في الداخل.

اليوم يجد النظام الإيراني نفسه وحيداً ومحصوراً في زاوية، لهذا فكر في مغازلة دول التعاون عبر نثر تلك التصريحات ظاناً بأن توقيتها مناسب بل معتقداً بأن دول مجلس التعاون ستسارع إلى اقتناص الفرصة والتصالح معه قبل أن يعود إليه رشده ويتراجع!

من الأمور التي لا يدركها هذا النظام أن دول مجلس التعاون، بما فيها الدول الثلاث التي يتواصل معها وهي الكويت وعمان وقطر لا تثق فيه بالشكل الذي يعتقده وأنها تتواصل معه لأسبابها، لهذا فإنها لا يمكن أن تأخذ دعوته مأخذ الجد، فهي تعلم أنه إنما يبحث عن مخرج للذي تسبب فيه على نفسه وأنه سرعان ما سيكشف عن وجهه الحقيقي فور تمكنه من ذلك، وتعلم أن إقدامها على التصالح مع النظام الإيراني بالكيفية التي يريدها هذا النظام تسبب لها مشكلات مع بقية دول المجلس وهي السعودية والإمارات والبحرين والتي عانت أكثر من سوء سلوك هذا النظام وترفضه.

لن يجد النظام الإيراني فرصة أفضل من فرصة قرب انعقاد اجتماع المجلس الأعلى لمجلس التعاون ليصرح رئيسه بما صرح به وليمنعها من حل مشكلاتها فيما بينها، وهو فعل يشبه فعل الرئيس التركي الذي سارع إلى الدوحة ليضمن التزامها بالاتفاقيات الأخيرة بينهما وليطمئن على عدم تضرر القاعدة العسكرية التركية التي أقامها هناك.

لا أحد يطلب من إيران عدم السعي والدفاع عن مصالحها، ولا أحد يطلب من تركيا عدم قيامها بذلك، فالدول مصالح ومن حقهما البحث عن مصالحهما، ولكن من مصلحة دولنا الخليجية أيضاً أن تشكك في كل قول يصدر عن هذه البلاد أو تلك وخصوصاً النظام الإيراني الذي عانت منه كثيراً ولم يتردد عن الإفصاح عن رغبته وسعيه إلى ما أطلق عليه اسم «تصدير الثورة» والذي تتمثل ترجمته في وقوفه إلى جانب كل من يقرر في لحظة أنه يمكن أن يستلب السلطة من أهلها ويدعمه مالياً وإعلامياً وبكل الطرق.

الذي عانت منه دول الخليج العربي من النظام الإيراني في الأربعين سنة الماضية يجعل بعضها لا يثق فيه بالشكل الذي يأمله ويرجوه ويجعل بعضها الآخر لا يثق فيه إطلاقاً ويشكك في كل كلمة تصدر عنه ويحذر من كل حركة وسكنة.

لا أحد ضد التصالح ولا أحد يرفض تمتع المنطقة بالاستقرار والهدوء والأمان، ولكن استعادة النظام الإيراني الثقة التي خسرها مبكراً يجعل دول التعاون تحذر من تصريحات رئيسه.