أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد البريطانية العريقة، أفي شليم زار البحرين الأسبوع الماضي ليلقي محاضرة بعنوان «الصهيونية واليهودية في العراق من منظور شخصي». المحاضرة التي نظمتها أكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية، جذبت جمعاً غفيراً من المهتمين بالتاريخ وبالصراع العربي الإسرائيلي، وبعض الفضوليين، من أمثالي!

وكعادتي، بحثت جيداً عن هذا الأستاذ، لأتعرف على سيرته الذاتية وأعماله قبل المحاضرة كنوع من التحضير الذي يسبق أي محاضرة أنوي حضورها وهو أمر تعودت عليه منذ أيام الدراسة الجامعية.

عملية البحث أسفرت عن حقائق كثيرة ومنها أن هذا الأستاذ، عراقي المولد، إسرائيلي المنشأ، وبريطاني حالياً بعد أن قضى أغلب عمره في بريطانيا. وينحدر أفي من عائلة عراقية يهودية ثرية، هاجرت إلى إسرائيل في بداية الخمسينات بعد تفجيرات الأحياء اليهودية في بغداد وظل في إسرائيل عشر سنوات وبعدها انتقل إلى بريطانيا ليبقى فيها فترة ثم عاد لينضم إلى الجيش الإسرائيلي. بعدها غادر إلى بريطانيا مرة أخرى وقبل نكسة 67 ليبقى فيها حتى اليوم. وقضى أفي معظم حياته الأكاديمية في البحث عن الحقائق التاريخية التي تتعلق بالحركة الصهيونية وخصص وقته للبحث والتعمق في الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية.

ملخص ما صرح به أفي خلال المحاضرة أن العراقيين اليهود كانت لغتهم عربية واندماجهم في المجتمع العراقي كان طبيعياً بل وتاريخياً لأنهم حسب قوله موجودون في العراق منذ ألفي عام. ووضح أنه لولا مخططات الحركة الصهيونية لما ترك اليهود بغداد. ففي بداية الخمسينات نظم الموساد «الصهيوني»، من طهران «حيث كان يتمركز أفراد منهم بمباركة من شاه إيران»، خمسة تفجيرات أصابت أحياء اليهود في بغداد ليثيروا الرعب في نفوسهم وليعطوهم الذريعة لترك العراق والهجرة إلى إسرائيل. واستشهد أفي بالعديد من المقابلات التي أجراها خلال بحثه في قضية هجرة يهود العراق إلى إسرائيل والتي أكدت ضلوع الموساد في التفجيرات.

كما ردد أفي أن اليهود العرب في العراق لم يكونوا صهاينة ولم يستوردوا الفكر الصهيوني، وأن التهميش والإقصاء الذي طال اليهود في أوروبا لم يكن له أثر في العراق بل كان لليهود مكانتهم وأملاكهم وبيوتهم وكانوا يعيشون في أمان واستقرار، رافضاً، تعميم مأساة يهود أوروبا على اليهود العرب.

ختم أفي الذي عرف عنه مناصرة حقوق الفلسطينيين وانتقاده المعلن والصريح لسياسة الاستيطان المستمرة بأن حل الدولتين والسلام أمر لا يمكن تحقيقه طالما استمر بناء المستوطنات وأن اتفاقية السلام التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 1993 لم تكن في صالح الفلسطينين بل كانت ذريعة لإسرائيل لتستمر في تطويل وتمطيط عملية السلام.

مبدئياً، حضور أفي للبحرين يظهر لنا أن ليس كل الأصوات «هناك» مع الاحتلال واغتصاب الأراضي بل هناك أصوات - ولو قليلة - لديها قدر من الإنصاف في سرد التاريخ وفي رؤيتها للوضع القائم. والمهم أن نسمع لهؤلاء دون «نرفزة»، فهم يمثلون الطرف الأقل تعنتاً وتعصباً.

من جانب آخر، أثلج صدري وأسعدني كثيراً، رؤية الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة آل خليفة، المديرة التنفيذية لأكاديمية محمد بن مبارك وهي تتألق بعلمها وثقافتها العالية في تقديم المحاضرة وإدارة الأسئلة، فهي من خيرة الشباب المتمكن والقادر على التصدي للقضايا الدبلوماسية الحساسة والتعامل معها بذكاء بفضل اطلاعها المميز الذي توجته بأعلى الشهادات ونشأتها في بيت الدبلوماسي والسفير المحنك «الذي أعتبره أباً لي»، الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة حفظه الله. وتربطني بعائلة الدكتورة الشيخة منيرة «أخوها رجل الأعمال الشيخ حمد أخ عزيز ووالدتها الشيخة هيا، هي بمثابة أم لي وأخواتها الشيخة مشاعل والشيخة جواهر، أخواتي» علاقة بدأت من الطفولة، حيث احتضنتني هذه العائلة الكريمة واعتبرتني واحداً منها، لذلك من المفرح أن أرى أفرادها في نجاح وتقدم. فلها ولهم التحية والحب والتقدير.