في إحدى الزيارات الخارجية التي كنت أمثل فيها مملكة البحرين، وكعادتي التي يعرفها جميع من يحيط بي بدأت أعبر عن إعجابي بموطني الغالي وأسرد للحضور النعم التي مَنّ الله بها علينا نحن أبناء مملكة البحرين، ولا أنكر مطلقاً بأنني من شدة حبي لهذا البلد فإنني كسائر المواطنين أتحدث عنه كما العاشق المفتون عندما يتحدث عن محبوبته، ولم لا... فلدي من الأسباب ما يجعلني أسرف في الفخر والاعتزاز ببحريني الغالية.. تاريخ تليد يجعلني أقف أمام العالم لأتحدث عن أهم الحضارات التي مرت على بلدي الغالي مما أكسبها إرث حضاري يجعلني أتباهى وأفخر به على الملأ، منجزات تعانق السحاب في مختلف المجالات تجعلني أجد أمثلة حية أفخر بها في كل ميدان، خدمات متقدمة تقدم للمواطن والمقيم على حد السواء دونما تمييز، مساحة من الحرية المسؤولة والتعايش المتناغم التي تجعلني أفرط في التغزل بهذه الأرض الطيبة، كما أن من حقي أن أتفاخر بملكنا حمد بن عيسى آل خليفة.. هذا القائد الحكيم الذي يسعى إلى احتواء جميع أبنائه وتحقيق تطلعاتهم، قائد يجمع بين حنكة القائد القوي الشجاع وبين القائد الإنسان.. ملك يحكم بالعدل والمساواة.. ملك شغله الشاغل بناء وطن آمن يضم جميع أبنائه بمختلف أطيافهم.. بناء وطن متقدم ينتفع المواطنون بالآثار المترتبة على تنميته.. بناء وطن يتسع للجميع..

في رأيي المتواضع أن لدي ألف سبب يجعلني أتحدث عن بلادي بكل فخر باسترسال في مختلف المحافل.

وفي غمرة انغماسي في ذكر مآثر وطني البحرين، قاطعني أحد الحضور بسؤال، فعلى الرغم من أن هناك مساحة مخصصة للأسئلة إلا أن هذا الشخص تعمد قطع كلامي، قاطعني بصوت عالٍ وقاسٍ ويحمل في ثناياه نوعاً من التهكم قائلاً «لو كان لك جناحان هل ستطيرين؟؟ أم ستبقين في مدينة الأحلام «البحرين»!!». كان سؤاله استفزازياً وهذه عادة الكثير من الأسئلة التي قد يتعرض لها أي شخص يدافع أو يتحدث عن رأيه تجاه موضوع معين.

لم يجعلني ألتقط أنفاسي، أو أستجمع أفكاري للرد عليه، حيث إنه واصل حديثه قائلاً «هيا.. أجيبي.. لو عرضت عليك فرصة للعمل في أي دولة أخرى سترفضين؟؟ لو عرضت عليك جنسية إحدى الدول «المتقدمة» هل ستتنازلين عن جنسيتك الأصلية؟؟ لو وعدتِ أنت وأبناؤك بحياة أفضل هل ستغادرين «البحرين» أجيبي هل لو كان لك جناح ستحلقين عالياً تجاه بلد آخر يحتضن أحلامك وتطلعاتك ويحققها؟؟».

كان سؤاله مستفزاً والإجابة عليه لا يجب أن تكون بنعم أو لا!! بل يجب أن تكون إجابة واضحة لا لبس فيها، وتكون مقنعة بالدرجة التي أجج فيها الحضور وجعل معظمهم يتضامنون معه ويتفاعلون مع سؤاله.. وينتظرون إجابتي.. هل سأحلق أم لا؟؟

فأجبته: بأن الوطن ليس كالفندق نغادره إذا لم تعجبنا الخدمات المقدمة فيه، إنه شيء أعمق، إنه امتداد، وإرث، وهوية، هو المكان الذي نشعر فيه بكياننا، هو المكان الذي يحتوينا، هو كالأم، فمهما كان شكل أمك، وإمكانياتها، فستظل هي أغلى الأشخاص في نظرك.

ناهيك عن أنني أؤمن بأن نهضة الأوطان من نهضة أبنائها، فلا توجد دولة عظيمة دون مواطنين عظماء، شمروا عن سواعدهم وخدموا أوطانهم لترتقي وتصل إلى ما وصلت إليه، وفي رأيي المتواضع بأن العلاقة بين عظمة الأوطان وبين مواطنيها هي علاقة تكاملية فلا عظمة لوطن لا يوفر بيئة خصبة لاحتواء أبنائه، وبالمثل لا توجد دولة عظمى دون مواطنين يقدمون الغالي والنفيس من أجل ازدهار أوطانهم..

لن أطيل عليك.. لي جناحان.. ولكني لن أغادر.. لأنني مؤمنة بأنني لن أجد وطناً يحتويني كموطني.. ولن أجد حضناً دافئاً كحضن موطني.. ولن أشعر بالعزة والفخر إلا وأنا أحمل جنسية هذا الوطن الغالي..

قد يضطر المرء أحياناً للبحث عن فرصة خارج وطنه، وهذا ليس بمستنكر مطلقاً.. فطلب الرزق فضيلة في أي مكان، ولكني لن أتبرأ من أصلي، سأظل بحرينية، وأحمل حباً لهذا الوطن، وسأعود له بأجنحتي التي أملكها.. فلا يوجد وطن كموطني..

أشاهد بشكل شبه يومي العديد من الزملاء الذين استدعتهم ظروف الحرب وانعدام الأمان في أوطانهم للهجرة.. أجد في ملامحهم الضياع والخنوع، أجدهم يتألمون لأنهم بعيدون عن أوطانهم.. وعلى الرغم من أن بلادهم تعاني من الدمار وانعدام الأمن الا أنهم يتمنون لو يرتمون في أحضانها وأن يقبلوا أقدامها التي أدمتها الحروب..

* رأيي المتواضع:

الوطن.. هو الملاذ والمأوى.. هو الحضن الدافىء.. هو الأهل والأصدقاء.. هو ذكريات الماضي وتطلعات المستقبل.. هو الرفعة والعزة.. هو الانتماء..

نعمة الوطن.. هي من أغلى النعم التي مَنّ الله بها علينا.. فيا رب احفظ لنا وطننا من كل سوء ومكروه..

وكل عام وموطني البحرين.. أغلى النعم..