حقاً!!!! أنا لست من المهتمين بالرياضة، ولست من المتخصصين في هذا المجال، ومع ذلك كتبت عدة مقالات في هذا المجال، ولعل آخرهم مقال الأسبوع الماضي، بتاريخ 14 ديسمبر 2019، بعمود «إشراقة»، بجريدة «الوطن» البحرينية، تحت عنوان «بالكأس فزنا.. وبحب أهل الخليج ظفرنا»، وقد أبدى بعض القراء استغرابهم من خوضي في موضوعات الرياضة، بالرغم من كوني مختصة في المجال الاجتماعي والتربوي، وليس في المجال الرياضي فأنا لا ناقة لي في هذا المجال ولا جمل.

فأقول: نعم إنني لست مختصة في المجال الرياضي لكنني مؤمنة بأن الألعاب الرياضية بصورة عامة والجماعية بصورة خاصة لها أثر كبير على الحياة الاجتماعية، فهي تعزز التماسك والتكاتف والترابط الاجتماعي وتنمي مشاعر الانتماء والولاء للوطن، وأخص هنا بالذكر الألعاب التي لها جمهور عريض ومشجعون كُثر مثل لعبة كرة القدم. فمن هنا يأتي اهتمامي ببعض الأحداث الرياضية التي لها انعكاس واضح وسريع على المجتمع.

إنني أؤمن أن الألعاب الرياضية الجماعية تنشأ علاقة اجتماعية إيجابية بين أفراد الفريق الواحد بصورة خاصة وبين المهتمين بهذه الرياضة بصورة عامة، فعندما يجمع الناس اهتماماً بمجال بعينه، فإن اجتماعهم هذا يعزز الترابط بينهم، فتنشأ بينهم أواصر المحبة والألفة والتقارب، علاوة على أن هذا الاهتمام المشترك يدفعهم للتلاقي والواصل بشكل منتظم وهذا كفيل بتقوية علاقتهم الاجتماعية فيما بينهم وبين مدربهم.

كما أن الرياضة الجماعية تعزز مبادئ العمل الجماعي لدى أعضاء الفريق الواحد سواء كانوا لا عبين أم مشجعين، مثل تعزيز التواصل بينهم وتبادل المعلومات والخبرات، وتنمية مهارات القيادة لديهم، وتعزيز مبدأ تبادل الأدوار بينهم، علاوة على أن العلاقات بين أعضاء الفريق تنبني على الاحترام والثقة المتبادلة، والعمل الجماعي الفريقي يُعزّز قدرات الفرد على العطاء وإيقاد روح الحماس للإنجاز والتطوير. كما أن العمل الجماعي في فريق موحد يُشعر أعضاء الفريق الواحد بالانتماء للنادي الذي ينتسب له، والالتزام العميق لبعضهم البعض وللهدف المشترك العام الذي يعملون لأجله وهو الفوز والتميز، ولا تقتصر هذه الآثار على اللاعبين فقط بل تنتقل إلى الجمهور وأخص بالذكر هنا المشجعين، فتنشأ علاقات حميمة بين المشجعين حيث يتكاتفون لتشجيع فريقهم فيبدعون في ذلك فتظهر إبداعاتهم في شكل فنون مختلفة كالأغاني والهتافات التشجيعية «الشيلات»، وهي نوع من أنواع الفنون، كما يبتكرون رسومات وكاريكاتير، وينظمون عروضاً فنية جماعية ليتحول إنتاجهم هذا جزءاً من تراث وثقافة المجتمع، فجميعنا يذكر الأغاني والهتافات «والشيلات» التي ابتدعها المشجعون وتناقلتها الأجيال مثل: «هذا الكاس يلمع والعيون تدمع»، «يا مجلة ويا جريدة كتبي عن سلمان شريدة»، «حمود طاير في السما نبي نتيجة هالسنة»، «ومن قايل لك تلعب صوبة»، وغيرها من الأغاني والهتافات.

ناهيك عن أن الرياضة تعزز مشاعر إيجابية منها الشعور بالانتماء للنادي وكذلك الانتماء للوطن واللحمة الوطنية، فتجد اللاعبين يتحرقون للفوز ليعيشوا لحظة رفع علم بلادهم في المحافل العالمية عند تكريم الفريق الفائز، وكم شهدنا دموع الفائزين وعيونهم تتعلق بأعلام أوطانهم ترفرف عالياً في السماء فلعمري إنه لموقف وطني لا يضاهى.

ولقد عشنا معاً تلك المشاعر عند فوز منتخب البحرين بكأس الخليج 24، واستقبل أبناء البحرين هذا الفوز بالفرح والأغاني والأهازيج، فخرج أهالي البحرين والمقيمين بجميع الطوائف من جميع أنحاء البحرين ومن مختلف القرى إلى الشوارع والميادين محتفلين في مسيرات راسمين لوحة تعبر عن اللحمة الوطنية والانتماء إلى هذه الأرض الطيبة فعاشت البحرين هذه الليلة عرساً وطنياً حقيقياً.

وهنا أنصح الناشطين الاجتماعيين والتربويين بالاعتماد على الألعاب الرياضية الجماعية كوسيلة لتحقيق أهدافهم الاجتماعية التربوية مثل تعزيز الترابط والتماسك بين جماعة معينة، وتحقيق الاندماج والانسجام بين شرائح مختلفة من المجتمع، مثل تعزيز العلاقات بين الجيران وأبناء الحي الواحد، أو تحقيق الاندماج والانسجام بين فئات اجتماعية مختلفة مثل الانسجام بين أبناء الجاليات والمواطنين، أو بين أبناء الديانات واللغات المختلفة، وإدماج فئة معينة في المجتمع مثل ذوي الاحتياجات الخاصة أو الخارجين من السجون وغيرهم، وهنا علينا أن نستثمر حب واهتمام الناس بالرياضة بشكل إيجابي نحو تحقيق أهداف اجتماعية نبيلة وأهمها الترابط اجتماعي.. ودمتم أبناء قومي سالمين.