تساءلوا لمن تكتبون؟ فشباب اليوم قد عزفوا عن الكتاب، فاعزفوا أنتم عن الكتابة، شباب اليوم قد شغلوا بقراءة سطور هواتفهم، هم يقرؤون ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وهم مشغولون بحوارات بينهم تدورعلى تلك المنصات؟

قالوا؟ لم تصدروا الصحف الورقية؟! فالأخبار الصحفية تصل للجمهور ساخنة من خلال المواقع الإلكترونية، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

قالوا لا تكونوا تقليديين وتودعوا كلماتكم على الورق، فمكان الكلمات اليوم هي الشاشات سواء الهواتف أو الحواسيب أو الآي باد، أو حتى التلفاز.

لعمري إنه كلام حق، ونعلمه علم اليقين فلا نختلف عليه، ولا نقحم أنفسنا في مزايدات، فدعونا نكسر الأقلام، ونمزق الأوراق فنحن نعيش في عالم، بلا قلم ولا ورق.

لكن هناك أجراس تأتي لتقرع، وترفع الشواهد والأعلام عن لحود ظننا أن من بها موتى لا بعثون، أجراس أعلنت أن الكتاب حي يرزق فكلما ظننا أن الكتاب قد هرم ومات، نجد هنا أيادي تمتد لتبعثه من جديد ليعود شاباً يافعاً قوياً ويقول ها أنا ذا.

فكلما ظهرت وسائل إعلامية جديدة ظن الناس أن تلك الوسائل قد نافست الكلمة المنشورة على الورق سواء الكلمة المنشورة على الصحيفة الورقية أو المجلة أو الكتاب. فعندما ظهرت الإذاعة، انبهر الناس بها وهجوا الصحيفة الورقية، وقالوا الإذاعة توصلنا الأخبار قبل استلامنا للصحيفة الورقية فهي تحمل أخبار مبيته معتقة، فيتحلق الناس حول الراديو ويدمنوه، في زمن كانت الطباعة الورقية بدائية فلم تكن أجهزة المطابع متطورة، ولم تكن أجهز الكتابة «كمبيوترية»، فلا زالوا يعتمدون على ريشة الخطاط.

لكن الصحيفة الورقية باتت صامدة حتى يومنا هذا رغم ما تلاقيه في ذلك الوقت من تحديات، وكذلك حدث الشيء نفسه عندما ظهر التلفاز، انبهر الناس به وبالغوا في الانشغال به حتى ظن الناس أنهم ودعوا القراءة سواء قراءة الصحف أو قراءة الكتب، واعتبروا أن الوسيلة الرئيسة لاكتساب المعرفة هي الاستماع والمشاهدة، لكن الصحافة الورقية والكتاب لم يترجلا من على صهوة الفرس. وكذلك حدث الشيء نفسه عندما اكتسح الحاسوب والهاتف الساحة واستقطب الجمهور فظن الظانون أننا سنودع الصحافة الورقية والكتاب الورقي.

لكننا وسط هذا الزخم للإعلام الاجتماعي ووسائل التواصل الحديثة، نجد الكتاب يقف صامدا فيبعث من جديد مرة أخرى، ولعل مهرجان الأيام الثقافي للكتاب الذي تنظمه مؤسسة الأيام للنشر شاهد على ذلك، فها هو يظهر في نسخة السادسة والعشرون، ها هو يصمد ست وعشرون عاما، ها هو يكتظ بدور النشر، وتكتنز الرفوف بالكتب المتنوعة والإصدارات، ها هي أروقة المعرض تكتز بالقراء الذين لازالت قراءة الكتاب تستهويهم، ها هي أروقة المعرض تكتظ بالشباب الذين ظننا أنهم قد ودعوا الكتاب واستغنوا عنه عندما شغلوا بوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ليس هذا فحسب، بل ها هو معرض الكتاب يتطور فتجد في أروقته منصات يقف عليها الكتاب شامخين متألقين ليعلنوا عن كتبهم وإصداراتهم الجديدة لتعجب وتنبهر من زيادة عدد الكتاب واهتمامهم بنشر كلماتهم على أوراق الكتب رغم التكلفة المادية التي يتحملونها ولسان حالهم يقول إن الكتاب له من يحميه وأن الله يسخر له من يبعثه وينشره كلما ظن الظانون أنه قد فارق الحياة، فلا مجال له للاحتضار أو الموت أو حتى الرقود.

نعم اتسمت الكتب التي تصدر حديثا بخصائص معينة، مثل قلة عدد صفحاتها، فهي لا تتجاوز المائتي صفحة، وتفنن الكُتاب في طريقة العرض لتكون مشوق سهلة القراءة، ولكننا نقول مهما تنوعت سمات الكتب في هذه المرحلة إلا أنها لازالت تحافظ على بقاءها بين يد الشباب ليقرأوها ويتأثروا به.

ودعونا بهذه المناسبة نرفع القبعة لمؤسسة الأيام للنشر التي آمنت بالكتاب وعرفت فن الصمود أمام تلك التحديات لتحافظ عليه وتعلن للجميع أن الكتاب سيصمد وسيبقى، دعونا نرفع القبعة لتلك المؤسسة التي أتاحت للكتاب والمثقفين والقراء الفرصة للتجمع وتبادل الخبرات وفتح أبواب الحوار بينهم في سبيل الحفاظ على الكتاب والإسهام في إنعاش الحركة الثقافية، ونتمنى منها تخصيص زوايا في المعرض القادم كمجالس يتجمع فيها الكتاب والنقاد والمثقفين يتناقشون فيه ويتبادلون الخبرات.... ودمتم سالمين.