ليس بمستغرب أن تكشف الأحداث أياً كانت عن مكنون الأشخاص مهما بلغوا من العلم والتعليم والشهادات والتخصصات، بل أحياناً تجدهم يتساقطون واحداً تلو الآخر تكشفهم الأحداث والتطورات والتغييرات على حقيقتهم، فمنهم من تكشفه الأفعال، ومنهم من تكتشفه عندما يتحدث وآخر عندما يكتب، ومع التطور المتسارع في التكنولوجيا جاءت المواقع الإلكترونية والتطبيقات لنكتشف من خلالها شخصيات كنا نراها على درجة من الثقافة والعلم ولكنها أظهرت جانبها الطائفي البغيض الذي لم نتوقع في أي يوم من الأيام أنها على هذه الشاكلة الجاهلة مفتقرة لأبسط مقومات الحداثة.

موت سليماني وهلاك غيره من الإرهابيين لا يقابل إلا بموقف واحد من قبل الجميع، حتى من بعض العقلاء من الداخل الإيراني بأنه مصير محتوم لمن هم على شاكلته لمن تلطخت يده بدماء الأبرياء من كافة الطوائف والملل، حيث إن إرهابه لم يقتصر على مذهب بعينه، فكان يسير في الأرض يعيث فيها خراباً وقتلاً وتدميراً، موته وحد الجميع على أنه نهاية طبيعية ومتوقعة ويستحقها بلا أدنى شك، ولكنها العقول الصغيرة التي أبت إلا أن تفضحها كلمات معدودة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عقول عرتها حروف كتبوها بأيديهم ليكشفوا عن غير قصد وجههم الحقيقي من خلال تغريدة نسفت كل ما حاولوا إثباته عبر الزمن.

كنت سابقاً أنتقد التوافه المتواجدين في وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولاتهم المستميتة للحصول على المتابعين عبر ادعاء الجنون تارة واستعراض الأجساد تارة أخرى، وصنع المقالب الهابطة وتقليد بعض الشخصيات والرقص والغناء، ولكني اليوم أقدم اعتذاري لمثل هؤلاء، فهم لا يسيئون إلا لأنفسهم فقط، ولا يعكسون سوى مستواهم الفكري والتعليمي وحتى التربوي، أعتذر لهم بعد أن تحول بعض المثقفين والمتخصصين إلى مهرجين ونائحين، أعناهم موت قاتل محترف وحولهم إلى زمرة طائفية، تحاول الرقص على آلة «القانون» والبكاء على كتاب الطائفة وتأليف قصيدة الاستهداف.

إن مثل هؤلاء يحاولون عبثاً الزج بالوطن إلى مستنقع الطائفية، هذا الوطن الذي لم يعرف للتفرقة مكاناً منذ عشرات السنين، فالبحرين كانت ولا زالت طائفة واحدة وعائلة واحدة لا تعرف معنى السني والشيعي، الأبواب فيه مفتوحة على بعض في حي واحد يسهر فيه عمر مع جعفر وزينب مع عائشة، واستمر هذا المشهد ولم يؤثر به ما حدث قبل تسع سنوات، ولن تؤثر به المشاهد والأحداث مهما عظمت وكبرت، واليوم مع مقتل أحد الإرهابيين المطلوبين في العديد من الدول يخرج لنا أشخاص من المفترض أن يكونوا نخبة في تخصصاتهم ليلصقوا زوراً وبهتاناً مقتلهم بالطائفية وغيرها من الأوصاف التي ليس لها أساساً من الواقع بل جاء مهلكهم نتيجة ما اقترفوه من إرهاب وقتل وترويع وجرائم يندى لها الجبين.

باتت «السوشل ميديا» على مختلف منصاتها فرصة لنكتشف من خلالها بعض العقول التي تعريها الأحداث والمواقف، التي تحاول اللحاق بالحدث فينكشف سترها وتفضح عن ما في صدورها من كذب وزيف وقلة عقل وحتى قلة دين، وأضيف أنا على كل ما سبق «قلة وطنية»، أقول لمثل هؤلاء ستذهبون إلى مزبلة «السوشل ميديا» وليس مزبلة التاريخ، فالتاريخ أكبر من أن يذكركم أو أن تذكر في مزبلته أسماؤكم.