* قال تعالى: «إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين». وقال تعالى: «ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأتِ بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير». فطريق الخير إنما يتطلب أن يسرع المرء في خطاه من أجل أن يقتنص جميع الفرص التي توصله إلى مرضاة ربه قبل أن تأتي ساعة الرحيل وينتهي العمل. المسارعة في الخيرات إنما هي القيمة الأساسية لعيش الإنسان على وجه هذه البسيطة، فهو لا يترك أي فرصة حياتية دون أن يقتنصها من أجل زيادة موازين حسناته في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. إنها المسارعة في طاعة الرحمن والعمل بما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى والخوف من عذابه.

* حث النبي صلى الله عليه وسلم على المسارعة في الخيرات قبل أن تتغير أحوال الحياة على المرء ويصبح بعدها عاجزاً عن طاعة الله تبارك وتعالى. فقال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا». وقال: «بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر». فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

* ضرب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أروع الأمثلة في التسابق في الخيرات. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك عندي مالاً، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً. فقال: فجئت بنصف مالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟». قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: «يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟». قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: والله، لا أسبقه إلى شيء أبداً.

* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته». وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي بطريق، إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له، فغفر له». وفي رواية: «لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس».

* كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حثه على فعل الخيرات والأعمال التي تقرب المرء إلى محبة الله عز وجل: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة بقوم، فتوفني غير مفتون، أسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك». قال صلى الله عليه وسلم: «إنها حق، فادرسوها ثم تعلموها» أخرجه أحمد والترمذي. فاجعل الدعاء ديدنك في الحياة في سجودك وقيامك وخلوتك بالله عز وجل، وسله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلك دائماً من الساعين في الخيرات والقرب إليه سبحانه وتعالى.

* عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله. إن لفلان نخلة، وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطها إياه بنخلة في الجنة». فأبى، فأتاه أبو الدحداح، فقال: بعني نخلتك بحائطي، ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني قد ابتعت النخلة بحائطي. قال: فاجعلها له فقد أعطيتكها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من عذق زاح لأبي الدحداح في الجنة، قالها مراراً. قال: فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح، اخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة. فقالت: ربح البيع، أو كلمة تشبهها.

* نتاج مسير المرء في حياته إنما يقاس بحجم عمله الذي تركه في دنيا البشر، وبحجم تلك الأعمال الخيرة التي سعى من أجلها ومن أجل أن يترك أجمل الأثر في حياة البشر.. فعندما يراودك الحنين لتلك الأيام الجميلة التي كانت الأثر الفاعل في حياتك وحياة الآخرين، فإنما تزداد شوقاً للارتماء في أحضانها من جديد، متذكراً تلك المواقف المؤثرة التي هي نتاج المسارعة في الخيرات، مشاهد مؤثرة لم يكن حينها المرء ينتظر كلمة شكر أو أن يوجهه أحد أو يدفعه للعمل الصالح أحد، بل كانت الهمة مبعثها صدق النفوس واشتياقها إلى ما أعده الله سبحانه وتعالى لعباده المتقين الذين يسارعون في الخيرات طاعة وحباً لله عز وجل. ومع خطوات المسير يوقن المرء إنه لا بد أن يكون على موعد متجدد مع مراحل العطاء التي لا تتوقف أبداً حتى الرمق الأخير من حياة الإنسان، فالعطاء مستمر وهو خالد في عمر الإنسان على وجه هذه البسيطة، والمرء يؤثر بعمله طالما كان مؤثراً في خطواته.

* البعض يضيع أوقاته بل وأوقاته غيره بالغوص في بحور المشكلات الحياتية ومشكلات الأعمال وتصيد معايب الآخرين وإرضاء النفوس والتفنن في «نفخ الصدور» والتعالي عليهم، بل والتذمر من أحوال الحياة.. البعض يضيع وقته النفيس في القيل والقال وكثرة السؤال، فبدلاً من أن يكون منتجاً مؤثراً يقتنص الفرصة تلو الأخرى، ويسارع في الخيرات، ويبادر في العمل الصالح ويستثمر اللحظة الآنية.. تراه يعيش في مهاترات حياتية مملة وهوامش حياتية لا فائدة منها.. فيضيع وقته بل ويضيع وقتك إن سايرته في توجهاته ومكثت ترد على كل كلمة يقولها.. فاحذر لأنك ستقع فريسة لهذا الأسلوب المريض، لأنه متأصل في نفسه ومن الصعوبة بمكان تغييره.. والأفضل حتى لا يفوتك مسير الخير وعمل الخيرات والإنتاج الحياتي والأخروي.. أن تصد وجهك عن هذا الأسلوب ولا تهتم به إطلاقاً.

* ومضة أمل:

اللهم إني فوضت أمري إليك فأنت وكيلي يا الله، اللهم دبر لي أمري فإني لا أحسن التدبير.